الخطاب الشعبوي الذي يعنى ببلدنا خطاب مضلل، يثير الغرائز والنزعات القومية والوطنية والدينية والشرائحية لدى العامة، ويشحنهم بالكراهية والعداء ويلهب حماسهم ويؤجج مشاعرهم، ضد أو مع، فكر أو نظام أو قضية أو شخص، وذلك من غير تبصر ولا حساب للتداعيات والعواقب. هو خطاب ديماغوجي فوضوي يوظف المزاج الشعبي العام ويستثمره لخدمة أهدافه النفعية الضيقة.
الخطاب الشعبوي خطاب لاعقلاني، يخاطب عواطف الجماهير المتقلبة لا عقولها، وخطورته في سهولة انقياد قطاع كبير من الرأي العام، بل وحتى من النخب، لشعاراته الحماسية المضللة، التي تجلب الكوارث على المجتمعات والأوطان، حيث يعنون القائمون على الخطاب الشعبوي بخطاباتهم ضد كل مخالف لهم في رأي أو توجه أو سياسة.
ذلك الخطاب الشعبوي، خطاب تعبوي دعائي محرض على كراهية الآخر هدفه إثارة المتلقي وكسبه وشحنه لا رفع وعيه، يخاطب الغرائز والنزعات في المواطن العادي، لإقناعه بعدائية الآخر له! فالشعبوية نهاية السياسة، كما قال المفكر الفرنسي دومينيك شنابر.
واليوم مغردونا الشعبويون هنا وهناك كثر على مواقع التواصل الاجتماعي حتى كادت "لايفاتهم" أن تكون موضة، واتخذوا من منصات التواصل الاجتماعي وسائل لنشر الفتن وإشاعة الكراهية والشرائحية.. وكل ما يفرق بين مكونات المجتمع الواحد، كل همهم تأجيج الرأي العام وإثارة مشاعره وتهييجه وشحنه.. يدوسون كافة القيم الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية، ولا يبالون بأي ضوابط مهنية، يسيئون ويشهرون بالأفراد والشركات والمؤسسات ويصطنعون الأخبار ويلفّقون الوقائع ويضخمون الأحداث، وكل ذلك في سبيل الشهرة الإعلامية والبروز الاجتماعي وزيادة عدد المتابعين المضللين وبحثاً عن مصالح نفعية شخصية وتجارية وسياسية حزبية ضيقة، للمباهاة ولإيهام الناس بالانتشار، ولخداع البسطاء من المغردين المتابعين بغير وعي.
وأخيراً، فإن الخطاب الشعبوي المسيئ، المنفلت من الضوابط الأخلاقية والمهنية، وبين القبول والرفض سيظل أخطر ما يهدد مستقبل أجيالنا ومجتمعنا ووطننا الغالي، لأنه خطاب ظلوم جهول، يرسخ الكراهية ويفرق المجتمعات وينشر الفتن. والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها..