حوار دائما في الحياة السياسية وفي أجواء الديمقراطية والرأي، هو أنجع طريقة لغربلة تباين الرؤى في الشأن الوطني، إذ مهم جدا وحافز للتقدم في كل الظروف سياسيا واقتصاديا وأمنيا...
وهو أكثر إلحاحا حين يتعلق الأمر بأمن الوطن وحدته وتماسك نسيجه الاجتماعي، وبروز سموم خطيرة تستهدف بشكل علني هوية البلد ثقافيا ودينيا منذ سنوات للأسف، انه استهداف مباشر لموريتانيا بكل شعبها وأرضها وسمائها، إنه استهداف وقح، للجمهورية، ولشعارها: شرف – إخاء – عدل ...
انه تلطيخ للشرف، وإفساد أهوج للإخاء، وتضليل وإرجاف في أروقة العدل ..
موريتانيا بحاجة للحوار بين أبنائها المخلصين، وحشر المنسلخين من الوطنية في الزاوية، وفضح كل عملاء الفعل الخارجي، أي كان، المستهدف لأمن وهوية واستقرار البلد..
موريتانيا بحاجة بدرجة أقل؛ لحوار يستهدف بلورة حكامة سياسية راشدة ومتنورة، وإستراتيجية تنموية واقتصادية ناجعة، ومقاربات أمنية معقلنة وشاملة وصارمة..
حاجة الحوار في مجمله مهمة.. إلا انه ينبغي دوما التساؤل لماذا، وعلى ما ذا نتحاور، وما يريد دعاة الحوار من البلد، وكيف يكون الحوار، وعلى ماذا، وما هو الموضوع الأكثر إلحاحا للتحاور بشأنه؟..
من هنا يكون الحوار المطلوب، واضحا، وربما يكون الحوار صار أمرا واقعا، فرض نفسه، خصوصا في المواضيع الأكثر خطورة على البلد..
وحتى لا تتفرق بكم السبل، أيها المتحاورون، وحتى لا يستخفكم المبطلون، سنحاول قدر الإدراك، المحدود طبعا، المشاركة في أهمية الحوار واستبيان موضوع التحاور من عمق التفاعل الحاصل رسميا وشعبيا والملموس بشكل واضح منذ فترة..
أول ما يجب أن نعلم؛ أن ثقب أوخدش هيكل السفينة، وهي تمخر عباب الزمن في فضاء من الصعب التحكم في تأثيراته من كل صوب، يعتبر مجازفة كبيرة وربما حماقة قاتلة جدا..
سفينة الأمل والمستقبل الوطنية، السائرة نحو النمو والإزدهار بحول الله، هيكلها اليوم لا زال متماسك بشكل جيد، في صمود وصبر وأناة وشجاعة وحكمة تحلى بها الموريتانيون عبر التاريخ..
هيكل الوطن، مزركش بألوانه الجميلة وثقافة المتناغمة بكل فروعها منذ بداية التكوّن، صلبة الوشائج محكمة القيم والعلو ..
تعهدها أجداد عظام اختلطت دماهم وأعراقهم، وانتظموا لقرون في أمة خالدة، ودين سمح، لا غلو فيه ولا تفريط ولا إرجاف ولا رهبانية ولا تطفيف ولا مكر.. ليسوا يهودا، إنهم مسلمون ...
هذا الهيكل، عربي الهوية واللغة، ثقافة وتدريسا، وبه ألسن عذاب لبعض مكونات المجتمع الموريتاني العربي المسلم، لم تكن تلك الألسن يوما محل تنافر بين الموريتانيين جميعا... ولم تكن يوما سبيلا لعمالة عملاء، يحاولون تفخيخ عرق او لون معين، وامتطائه، خدمة لبرتوكولات صهيون وسياسة "فرق تسد" الاستعمارية، أو طبقا لفكر أممي خبيث، ينفي خصوصية وأرحام وتواصل الشعوب التاريخي ..
أممية مادية أو ماركسية تنفي قيمة الإنسان وتاريخه وثقافته وهويته، وتجعله أداة مادية..
أو أممية أخبث مستنبطة أصلا من فكر يهود صهيون، والماسون، تقوم على دين شعوبي يستثير الفتن دوما بين المسلمين من خلال إحياء الأعراق والألوان، عمل الشعوبيون الدينيون (المستغلون للدين) هؤلاء دوما، على نفخ نار الفتن بين الأمة والشعب في الوطن الواحد، كانوا سندا لعملاء صهيون والاستعمار في تقسيم الشعوب، مرتكبين اكبر جريمة ومعصية على الأرض هي الفتنة وقطع الأرحام، تماما كفعل يهود أعداء الله بين خلقه..
كل شعوب الأرض، ودول العالم، في تاريخها أخطاء اجتماعية وتباينات خلال عصور كانت الحياة ابعد ما تكون من التقنين والدساتير، كانت الشعوب لها عادات وعقود اجتماعية بدوية ما قبل حضارتها، ونتيجة جهل الكثير من تلك الشعوب، أو نتيجة طغيان متغيرات مادية او ذاتية في زما، فمثلا أبر تاريخ البشرية كثير من العادات والممارسات منذ ما قبل التاريخ، مثل العبودية والاستعبادية، الذي يعتبر أشنع وأسوأ عمل اجرامي قام به الانسان ضد اخيه الانسان، لكنه عمل انساني خاطئ، عرفته البشرية من ذو ضمور الحياة، فقد كان الشيطان حاضرا دوما في تاريخ بني آدم، فمن حيث قتل قابيل هابيل، زرع الشيطان أفعاله الشريرة في نفوس البشر، وبدأ التفاوت والغلبة للأقوى، البشرية من قرونها الأولى، دفعها الجهل إلى ممارسات كثيرة سيئة وشنيعة، وأكثرها جهلا عبادة المخلوقات، كالشمس والقمر والأحجار والبقر والبشر حتى ... ولد الهدى صلى الله عليه وسلم بعد رسالات سماوية عديدة كلها رغب في التخلي عن الاستعباد واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان،
وجاء الإسلام بحلول للعبودية غاية في الروعة، حيث جعل التخلي عنها من مراتب التقوى والنضج الإنساني، فمن اتقى ربه يحس بكونه مجرد إنسان كما هو أخوه الآخر، وهكذا ينتشر الوعي بنبذ الاستعلاء وشيوع السلم والسلام والإخاء والمودة والرحمة والرحم بين الناس..
أما أخطاء الدولة الحديثة، فالدولة للجميع ولا ينبغي أن يكون أي فعل فيها موجها ضد أو من أجل جهة معينة، الكل عليه خدمة بلده والحفاظ على وحدته وأمنه، والكل مسئول عن أي فعل ضار بصفة فردية أو سياسية، لكن لا يجب أن تخرج المسؤولية عن أي فعل، إلى دائرة جهة أو عرق أو عشيرة، لأننا اليوم في دولة للجميع وللجميع؛ فيها حقوق وعليهم واجبات تجاه وطنهم...
ولا ينبغي ولا يعقل؛ أن يكون كل شيء يفعل أو يقال بمنطق محاصصات ومحاباة لجهة أو لون أو كذا، أو أي فعل أو حدث يعالج بفعل تسميم الساسة وأفكارهم، بمنطق إثارات ومظالم لا تنبغي في دولة الجميع، حيث يجب أن يكون القانون والمصلحة العام هي البوصلة وليس غير ذلك..
من هنا يجب أن لا يكون الحوار، مؤسس على منطق محاصصة الوطن أو الخلاف على هويته أو دستوره، أو دينه.. فتلك ثوابته وهيكل سفينته وشراعها..
أما الحوار السياسي، في مواضيع أخرى، فهو لن يكون مفيدا ما دام طرح النخبة، أو هواها تبعا لمنطق لوني أو عرقي أو أممي ينفي وحدة الوطن والشعب واللغة والهوية والدين..
من المطالب الاهم في كل حوار، بالإضافة إلى كل ما سبق، هو محاربة قاسية ومعالجة عاجلة للمخدرات والإدمان والانحراف، فهو بالإضافة إلى كونه فساد لكثير من المنحرفين، فهو سند للأسف للمثبطين ..
لذلك فالحوار الأجدر؛ هو أن تطلق حملة وطنية شاملة، يدا بيد، لتحيي الإخاء بين الموريتانيين، لتحافظ على موروث الأجداد، لتواجه سخافة ووقاحة كل من جُند أو جند نفسه لحمل رسالة شيطان الفتنة والتفرقة وقطع الأرحام والإفساد في الأرض...