مبررات الرحيل :من الثوري إلي الدستوري / الحاج ولد المصطفي

طرحت تساؤلات منذ بعض الوقت حول دواعي رحيل نظام محمد ولد عبد العزيز ومبرراته وأخذت تلك الأسئلة منحا تصاعديا ،خاصة بعد أن خفت حدة تصريحات المعارضين وتقلصت الأنشطة المطالبة بالرحيل ،وأصبح الحديث عن مبادرة مسعود يتجاوز المطلب الرئيس للمعارضة الجادة.

 فماهي دوافع مطلب رحيل النظام؟

وماهي مسوغاته؟

للحديث عن دوافع مطلب المعارضة برحيل نظام ولد عبد العزيز يجدر بنا أن نعود قليلا إلي الوراء لنستعرض التاريخ السياسي للرجل

فالعقيد محمد ولد عبد العزيز ظهر سياسيا لأول مرة كفاعل رئس في انقلاب داخل القصر علي الرئيس السابق العقيد معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع، حينها كان قائدا للفرقة الخاصة بحماية الرئيس المعروفة اختصارا (بازيب) وبدأ الرجل يدخل المعترك السياسي من باب التحالفات العسكرية مع مجموعة من العقداء في الجيش الموريتاني وبعض رجالات نظام ولد الطايع .

وأشرف الرجل بنفسيه علي ترتيبات معقدة لسيناريوهات إخراج المرحلة الإنتقالية ،بحيث يتم تجاوز تعهدات تلك المرحلة بما يحفظ ماء الوجه للجيش الموريتاني ويضمن وصول مرشح الفريق العسكري لولد عبد العزيز إلي السلطة وكان سوء الحظ قد أوقعهم علي شخصية وطنية كبيرة سيد محمد ولد الشيخ عبد الله ،هذا الرجل الذي رفض أن يكون وسيلة بيد العسكريين يمارسون من خلاله السلطة ويوجهون البلاد كما يريدون فجاءت الإقالة الشهيرة للقادة المتحالفين .

لكن الرجل عاد ليظهر ظهوره القوي في الساحة الوطنية والدولية من خلال أشهر انقلاب علي الإرادة الشعبية النزيهة ومن المؤسسة التي صنعت لنفسها مجدا وذكرا بتسليمها السلطة واستنكافها عن الأطماع الإنقلابية.

فضرب ولد عبد العزيز عرض الحائط بالدستور والقوانين والأعراف ومضي في الإنقلاب الذي كاد يدخل البلاد في مرحلة من الفوضي العارمة لكن مشيئة الله وتدخل افريقيا والعالم مهد الطريف لتفاهمات دكار التي تنازلت فيها المعارضة عن أهم مطالبها باسترجاع الشرعية وأدخلت نفسها في نفق مظلم بدأته بالمشاركة في مسرحية رديئة الإخراج حققت لود عبد العزيز كل طموحاته في الحكم ولكن اتفاق دكان –وهذا ما يغفله البعض – يتكون من مرحلتين : الأولي اجراء الإنتخابات التي كانت كل المؤشرات فيها تتجه لنجاح قادة الإنقلاب نظرا لبقاء السلطة الحقيقية بايديهم وقد نشط الفريق العسكري للولد عبد العزيز في ترجيح كفته وهوما تحقق –رغم ذلك – بصعوبة كبيرة ( 52في المائة ).

مبررات الدعوة لرحيل نظام ولد عبد العزيز:

أولا المبررات الثورية

اندلعت ثورة الحرية والكرامة في تونس إثر إحراق البوعزيزي لنفسه وكانت الشرارة التي أوقدت نار الثورة علي الحكام العرب الذين يتشابهون في كل شيء فالجنرال ولد عبد العزيز ورث الحكم بواسطة انقلاب من داخل القصر شأنه شأن زين العابدين وهو يمثل السلطة العسكرية الجاثمة علي صدور الشعوب العربية في كل الربوع (مصر ، اليمن إلخ) والتي قامت الثورات لإزاحة نفوذها وتسلطها كما أن صاحبنا ضالع في جمع الأموال وتهريبها كبقية القادة العرب .

وهكذا يكون شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" وارد جدا في ظل تلك المعطيات

ثانيا:المبررات القانونية

المرحلة الثانية من اتفاق دكار كانت تنص علي ضرورة مواصلة المشوار التوافقي من خلال الحوار حتي يتم حل جميع المسائل العالقة كالتعديلات الدستورية والمشاركة السياسية.

لكن ولد عبد العزيز تنكر لهذه المرحلة واستهجن مجرد الحديث عن دكار وصرح علنا أن(دكار انتهي) وكأنه يريد أن يقول للمعارضة( لقد أخطأتم عندما أوصلتموني إلي سلطة يقبلها المجتمع الدولي وهي ما كنت أبحث عنه في حوار دكار )

إن الشرعية التي بنيت عليها الإنتخابات الرآسية تبقي ناقصة ما لم تستكمل المرحلة الثانية من اتفاق دكار، ضف إلي ذلك الطعون الإنتخابية المتواترة خاصة تلك المتعلقة باستخدام وسائل الدولة ونفوذ القادة العسكريين، تترك شكوكا حول المصداقية القانونية.

وليس اعتراف الأحزاب المعارضة بنتائج الانتخابات كافيا لإعطاء النظام الشرعية الكاملة .وحتي إذا تجاوزنا مسألة الانتخابات فإن ممارسات النظام بعد ذلك أوصلت البلاد إلي وضع لا دستوري بعد انتهاء المدة القانونية للبرلمان بغرفتيه وفقدان المصداقية في النظام بعدما خيب آمال الكثيرين ممن خدعتهم الشعارات المرفوعة كمحاربة الفساد ورئيس الفقراء والقضاء عي الكزرات وكلها سراب ضاع في لحظة تنكر وممارسات مضادة جعلت الفساد يطال رأس النظام والفقر يصل أعلي مستوياته والحالة المعيشية تتدهور والأسعار ترتفع .

ثالثا المبررات السياسية

لعله من الواضح  أن الأزمة السياسية مستفحلة منذ أن رفعت منسقية المعارضة سقف مطالبها إلي رحيل النظام ولا شك أنها فعلت ذلك انطلاقا من تدرج منطقي في المطالب خاصة بعد أن نفض النظام يديه من أي التزام نابع من اتفاق دكار ولجأ إلي تقسيم  المعارضة من خلال الدخول في حوار مع بعضها دون البعض الآخروهوما يعني سياسيا أن النظام قد أدار ظهره للحلول وأغلق الباب أمام الأطراف غير المشاركة مما دفعها إلي  مطلب الرحيل

هكذا لا يكون خافيا علي أحد أن المبررات الثورية والقانونية والسياسية التي سقناها تعد كافية للتمسك بمطلب رحيل النظام الذي قام علي شرعية القوة وليس قوة الشرعية وقد أسقطت الثورات الشعبية العربية هيبة القوة التي تستند إليها الأنظمة القمعية ، فما عاد النظام يمتلك ذلك السلاح الذي أوصله إلي السلطة،وأخيرا جاء توحد قوي رئيسية في المشهد السياسي داخل منسقية للمعارضة ليعزز من زخم مطلب الرحيل ويؤكد أن أي حل للأزمة الحالية لابد أن يأخذ في الاعتبار هذا المطلب

 

11. فبراير 2013 - 22:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا