هوامش على الإشكاليات المثارة في التشاور حول التعليم / عثمان جدو

تستعد المنظومة التربوية هذه الأيام لانطلاق التشاور حول قضايا التعليم، تشاور سيكون له مابعده؛ وقبل انطلاقته هيئ المناخ بلقاءات نقابية تربوية، وسياسية تربوية.

بعيد هذه اللقاءات نشرت أو انتشرت وثيقة تتضمن الإشكالات الكبرى التي يراد لها أن تنال الحظ الأوفر من النقاش والمطارحة؛ ولإن كان المتتبع للشأن التربوي في بلادنا لن تتناهى إلى مسامعه خلاصة هذا التشاور؛ كبكر أذن، فمنذ بعض الوقت والمطارحة الفكرية حول هذه الإشكالات؛ كتابة ونطقا؛ تعج بها المواقع الألكترونية والقنوات التلفزية، وبإسهام من غير واحد؛ من خدام التعليم والمنشغلين به؛

ومن أهم الاشكالات التي تضمنها المنشور المذكور؛

-توحيد المنظومة التربوية؛ وأهم مرتكزات هذا الإشكال مشكل اللغة وما اعتراها من تغيير وتبديل مع كل إصلاح، وهنا تطرح لغة الأم (اللغة العربية) بقوة كأداة أساسية لتسهيل حصول النهضة التربوية المنشودة، وعلى شاكلتها تأتي تباعا اللغات الوطنية، كلغات باتت ضرورية الإدماج في المنظومة التربوية، لزيادة اللحمة الاجتماعية، والتلاقي الثقافي، وإذابة الجليد السياسي الملوث، ومن وارد الاقتراح أن يكون اعتماد هذا الإدماج بدءا بالمرحلة الاعدادية؛ لصعوبة البدء بالمرحلة الأساسية رغم نجاعته، ويمكن أن يكون من المحددات المعينة على تنفيذ هذا الإشراك؛ أن  يكون أستاذ اللغات الوطنية المطلوب للخدمة؛ جامعا للغات الوطنية متمكنا من تدريسها كلا، أو له أهلية المواكبة وقابلية الأداء في المستقبل المنظور،

وقبل أن نتجاوز الحديث عن اللغات؛ نشير إلى ضرورة إشراك اللغة الإنجليزية بفعالية أكبر؛ فهي لغة العلم والأبحاث، والعلاقات الدولية؛ أكثر من اللغة الفرنسية وغيرها من اللغات، وهذه سانحة جد مناسبة لذلك.  

-أما عن الخريطة المدرسية: فمعروف أن الفوضى الملاحظة فيها مردها إلى التقري العشوائي، وتشتت السكان خلف المراعي أساسا؛ إذ يكثر هذا النوع من المدارس في مناطق التنمية الحيوانية؛ وغالبا لا يتجاوز في بنيته العمرانية حجرة أو حجرتين، وفي بنيته التربوية قد تتعدد المستويات لكنها تبقى فاقدة للعدد الكافي من التلاميذ، ونظيرها في الاتجاه الآخر مدارس مكتظة الفصول، فمن غير المعقول أن نسمي فصلا دراسيا يتجاوز تلاميذه مائة؛ بل قد يصلون مائتين؛ بقسم دراسي ثم نصمت!، ينبغي أن نعالج الأسباب المباشرة لحصول هذه المظاهر الهدامة للتعليم.

-وفي إشكالية المصادر البشرية؛ التي تشمل مواصفات المدرس المنتظر، مؤهلاته، وكفاءته؛ ينبغي أن نزيد الطلب؛ بالتركيز على مردوديته التربوية؛ وتلك إشكالية ميدانية كبرى كثيرا ما يتجاوزها أو يغفل عنها من يلزمهم الوقوف عليها.. وبخصوص طرق الاكتتاب والتكوين فقد حصلت بعض الإيجابيات على مستوى الاكتتاب خاصة؛ إذ لم يعد بمقدور فاقد التأهيل الدراسي المطلوب؛ الولوج إلى مدارس التكوين؛ لكن التكوين نفسه وإن كان شهد تحسينا؛ فالمؤمل أكبر،  والمنتظر يحتاج التحيين ومضاعفة الجهود، من أجل أن تكون المخرجات على حجم التحدي، وحمل مشعل منظومة تربوية ظلت تعاني.

أما عن تحفيز المدرسين فهو أمر يتموقع من هذه الاشكالات وتفرعاتها موقع الأنف من الوجه، فلا سبيل لتعليم يذكر قبل تحسين واقع المدرسين ماديا ومعنويا، والأظهر في ذلك دوما زيادة الرواتب والعلاوات، ولن يفوتنا هنا ونحن في معرض الحديث عن المحفزات أن نشيد بما ذكر رسميا دون تفصيل،  بخصوص زيادة أجور المدرسين؛ ونرجو أن تكون زيادة معتبرة حقا؛ تنقلهم من واقع بائس؛ يدفعهم دوما إلى الأعمال الجانبية، والتي قد تبعدهم ذهنيا عن الانشغال بالتربية وتنهكهم بدنيا،  وتعيق أداء رسالتهم التربوية، فتظهر المنظومة التربوية بمخرجات هزيلة.

- وعن المواطنة، وكيف نربي الحس والضمير الوطني عند التلميذ؛ أسعد جدا لكوني ضمن جماعة من المؤلفين تولت تأليف ومراجعة وتدقيق كتاب جديد يعنى بالسلوك المدني ويجر ذيله على مفاهيم المواطنة، وهو نواة يمكن أن تكون نقطة التأسيس لإشباع الحاجة التربوية المنشودة في هذا المجال.

وحول إشكال التكوين المهني، يجب أن يراعى في التكوين الذي ينبغي توفره ما يلامس حاجة السوق حالا؛ لا مآلا، ومن الواجب أن نفكر في ربط وثيق بين التعليم النظامي والتكوين المهني؛ توجيها، فاستجداء الشباب للتكوين المهني كما حصل في الأيام الماضية؛ قد يكون خيارا؛ لكنه ليس الأحسن، ولا هو بأفضل المتاح.

-أما إشكالية مسارات التكوين؛ التي يعنى بها؛ التعليم ما قبل المدرسي، والمرحلة الأساسية، والثانوية، ومرحلة التعليم العالي، هل تحتاج مراجعة للسنوات؛ زيادة أو نقصانا، كل ذلك وارد وإن كان التفكير في تكييف المقررات الدراسية في هذه السنوات أولى، هناك حشو كبير في وجود بعض المواد في مراحل وشعب معينة، وهناك شحن معرفي في غير محله، فينبغي تقليص المقررات والعمل على جودتها، وملامستها للواقع، واستجابتها للمنتظر، وقبل أن نخرج من هذا الإشكال نشير إلى ضرورة الكتاتيب في التعلم ماقبل المدرسي، وبجدوائية التوأمة التربوية بين المدرسة والمحظرة في المراحل الدراسية الأخرى؛ حسب الممكن والمتاح،  مع مراعاة اختلاف الفترات الزمنية في فصول السنة الدراسية، وقد تكون هذه الإشارة ذات توجيه أو متجه أهلي أكثر منه رسمي.

-وفي إشكالية الإنصاف والشمول في النظام التربوي؛ التي يراد بها التزام الدولة تجاه الطبقات الهشة والهوامش المقصية؛ نؤكد أن المشاكل التربوية لا يمكن حلها ببناء المدارس واكتتاب المدرسين وتكوينهم،  وتوفير آلية وأدوات التدريس فقط، بل يتعدى الأمر ذلك إلى ضرورة تلبية الحاجات الغذائية والسكنية والدوائية، وإشباع الحاجات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الضرورية لأي حياة كريمة.

-وحول إشكالية طرق تدريس العلوم والرياضيات؛ لا يقتصر حل المشكل على لغة التدريس التي تحظى فيها لغة الأم بكامل الأولوية، وإنما يلزم توفير المختبرات اللازمة؛ والتي تعد الوسيلة التدريسية الأكثر نجاعة لهذه العلوم.

-أما عن التعليم الخاص، وما أدريك ما التعليم الخاص؛ ماله من حقوق وما عليه من واجب تقديم الدعم والمساندة إن هو اضطلع بما عليه؛ حينها يكون رافعة حقيقية للتعليم العمومي، وسندا نوعيا؛ ومفتاحا من مفاتيح النهوض بالمنظومة التربوية، ولن يتحقق شيء من ذلك كله قبل ضبط المدرسين في التعليم الخصوصي؛ وإلزامية خلوه من المدرسين النظاميين، وتتبع هذه الجزئية بدقة عالية فكل الأهداف المرجوة تبدأ منها. 

-وعن إشكالية التعليم العالي، والربط بينه وبين مخرجات التعليم الثانوي؛ لابد من تعجيل تحيين المناهج ومراجعة البرامج والاستجابة لمتطلبات السوق، ومتغيرات الزمن، ومواكبة الأحداث، ومن المفارقات العجيبة في تعليمنا العالي؛ أن الباحث يظل باحثا؛ يصول ويجول بالألقاب والتسميات، وتمر عليه العقود والحقب؛ وهو لم يقدم بحثا ذي بال!، وهو في مأمن من التحذير أو المساءلة، والتجريد أبعد.. 

وفي ما يخص التسمية بوزارة التربية بدل التهذيب على غرار كثير من دول العالم، أعتقد أن تطابق التسمية لا يهم بقدر ما تهم الدلالة والمعنى؛ ولكل مجتمع مقاسة الذي يفصل عليه قضاياه الجوهرية وتسمياتها ودلالاتها، لا على غيره من المجتمعات، ولكل دول سيادتها التي تنقص قيمتها بدوام التبعية لمجرد التبعية ولو في ظاهر الحركات أو التسميات، فالتهذيب منشود قبل التعليم، والتسمية به في بلادنا لم تأت اعتباطا؛ وإنما هي اجتهاد زكي من الرعيل الأول؛ مؤسس على وعي بأهمية الأخلاق قبل حيازة المعلومات.. 

يضاف إلى ما تقدم؛ إشكالية المقاربة التربوية، وهنا يجب فورا أن ننهي حالة التذبذب وعدم الانسجام والتناسق بين المراحل الدراسية الثلاث؛ ما قبل الجامعية، فمعروف أن مرحلة الابتدائية مازالت تقريبا تسير وفق مقاربة الكفايات التي ينفر منها أغلب المدرسين منذ بدء اعتمادها!، وفي المرحلة الإعدادية تم العدول الكامل عن هذه المقاربة إلى أخرى؛ حنينا إلى مقاربة الأهداف؛ التي طبعت في قلوب كثير من المدرسين القدماء، وفي الثانوية نجد مقاربة أخرى أكثر شمولية؛ وعليه لا بد من مراجعة الكل سريعا، وخلق ارتباط يلبي الانسجام المطلوب بين هذه  المراحل.

وفي الختام؛ ينبغي أن يكون من نتائج هذه المراجعات وهذا التشاور؛ اعتماد مادة التربية الإسلامية؛ كمادة تتوسط المواد المدرسة؛ تموقعا حول الضارب والأولوية؛ وإن كان لها التفوق قيمة، فالثقافة الإسلامية هي حصننا المنيع، لإعادة أجيال المستقبل إلى سابق عهد الأسلاف المرابطين، والشناقطة المضيئين للحضارة في أصقاع العالم.

20. أكتوبر 2021 - 12:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا