إشكالية لغة العلم / د.شماد ولد مليل نافع

إن العلم علمان, علم معلوم وعلم يُعلم. ونقصد بالأول عموم العلم الذي يُدرس ويُستخدم وبالثاني العلم الذي تعكف العقول بأدوات البحث على فهمه وإضافته لمعلوم العلم. وإننا حين نصف لغة معينة بأنها لغة العلم نقصد الثاني, لأن معلوم العلم كل اللغات له لغة إلا التي أصاب أهلها الخور. وإن ما تنتجه عقول العالم في المخابر ينشر بلغة واحدة تقريبا هي الانكليزية فهي وحدها التي تستحق أن توصف بأنها لغة العلم. وإن العربية والفرنسية كغيرهم من لغات العالم لغات لمعلوم العلم لا يُطبع بهما كتاب ولادته, وذلك لضرورة أن يتحقق المجتمع العلمي العالمي أن المولود يستحق صفة العلم والانكليزية هي اللغة المشتركة للمجتمع العلمي العالمي. لا يمكن لأحد من العلميين, ويُقصد بالعلميين المشتغلون بعملية إنتاج العلم, أن يستغني بالعربية أو الفرنسية عن مستوى من معرفة الانكليزية يسمح له بكتابة ما يُنتِج من نتائج وفهم ما يُكتب في مجاله بهذه اللغة.

أهمية الانكليزية بينة, فهي مطية كل من أراد أن يجد له منفذا إلى ما يُنتج من علم, هذا فضلا عن انتشارها الواسع الذي لا يقارن بانتشار الفرنسية, التي يكفي لتدرك بعميق الحسرة حجم انحسارها أن تعبر الحدود الجنوبية الشرقية لفرنسا إلى إيطاليا, إيطاليا اللاتينية التي تتقاسم مع فرنسا شواهق الألب وغائر الجذور اللغوية والدينية, ستدرك حجم انحسارها حين تعجز أن تجد من يَتَرصّع لسانه بهذه اللغة الجميلة. لكنك ستجد من يحدثك بالانكليزية لأنها تجري على كل لسان, وبالعربية لأن العرب أمة كبيرة أبناؤها بكل أرض ينفعون وينتفعون. وإن هذا الانحسار اللغوي يصاحبه انحسار فكري وثقافي وربما يسببه, فقد خَلَفت أفكار زَمّورْ وافّانْكَلْكْروتْ الإنِفَرْساليسم الجمهوري وتربع وَلْبَكْ على عرش فيكتور هيغو, وكل هؤلاء يبشرون بكراهية الأقليات المرئية وبالاسلاموفوبيا بمباركة من كثير من وسائل الإعلام, وفي أحيان كثيرة لا تستحي الحكومة الفرنسية أن تركب موجة الكراهية إن لم تكن مهب الريح التي تسببها, يعزز ذلك أنه في العشرين سنة الأخيرة التي تابعت فيها الحياة السياسية في فرنسا كان اختيار وزير الداخلية من أكثر تياره عداء للأقليات المرئية يكاد يكون لازمة سياسية, وكأنها براءة إلى المجتمع من قيم الجمهورية. وقد بلغ الاستهتار بموروث فرنسا الثقافي والفكري أن انتخب الأكاديميون “الخالدون كما يسمونهم” افانكلكروت عضوا في الأكاديمية “خالدا!”. وأصبح زمور يهيئ نفسه لانتهاك الرئاسة تقوم على إعداد ترشحه إدارية فتية, سارا اكْنَافّو, من نخبة التكوين الفرنسي وكنا نعد الكراهية في فرنسا من متلازمات الشيخوخة والجهل.

تعج الجامعات الفرنسية بالصينيين و البرازيليين في حين يرابط هؤلاء الذين صرف آباؤهم ودولهم قسطا عظيما من زهيد ما يكسبون من أجل تعليمهم الفرنسية وضحت حكوماتهم بالعلم قربانا لهذه اللغة أمام السفارات في الدول الإفريقية دون الحصول على تأشيرات, فقط لأن فرنسا لا تريد أن تزيد الأقليات المرئية –الأقلية العربية-الإفريقية-. هذا إن تمكنوا من الحصول على تسجيل, وفي هذه ربما تكون الجامعات الفرنسية معذورة, ففي الوقت الذي كان فيه أبناؤنا يصارعون لعبور الفرنسية إلى العلم, كان الصينيون والبرازيليون يغترفون منه دون حائل, وهو ما خلق تباينا في المستوى العلمي لا تعوضه فرنسية فقيرة تشوهها بدع المخارج.

وفق الله وأعان

----------------------

* هذا المقال هو الجزء الثاني من ورقة طويلة تحاول معالجة مختلف جوانب إشكالية لغة تدريس المواد العلمية نشرت تحت عنوان “لغة التدريس.. ورقة للمشاورات التربوية” تجدونها كاملة على هذا الرابط 

https://rimnow.net/w/?q=node/13850

22. أكتوبر 2021 - 9:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا