في خضم نقاش واسع ومشاورات عامة يتجدد الحديث عن إشكالية فشل التعليم في موريتانيا و تتأرجح غالبية الآراء بين اختزال الازمة قي لغة التعليم (بالنسبة للسياسيين ) و ظروف المدرس المادية (بالنسبة للمعلمين) .
هذه الأسباب و إن كانت جوهرية، لكن السبب الرئيسي للفشل كان و لايزال التعليم الذي يعتبر بمثابة سوسة التعليم في موريتانيا .
لقد ظهر التعليم الخصوصي (الحر) في موريتانيا منذ الثمانينات ليستوعب "الراسبين “و" المطرودين " من التعليم العمومي مقابل رسوم شهرية لكنه شهد اقبالا كبيرا مع تزايد اضطرابات التعليم العمومي التي وصلت الي حد الانحلال الأخلاقي وانعدام الأمن الجسدي داخل المدرسة العمومية.
ولكن بدل ان يأخذ التعليم الحر مسارا منفصلا، أصبح لكل مدرسة عمومية مدارس خصوصية موازية تقابلها على الناحية الأخرى من الشارع من أجل تسهيل امتصاص طاقمها التعليمي وتلامذتها وربما تجهيزاتها أيضا!! في ظل انفتاح شهية المدرسين لاستقطاب تلاميذهم، وإخضاعهم إلى الأمر الواقع بابتزازات صارت مكشوفة لدى الرأي العام.
في هذا الإطار يعترف البنك الدولي في تقرير صادر يونيو 2020 عن التعليم في موريتانيا أنه سجل شهادات من مسؤولي وزارة التهذيب والمنظمات غير الحكومية تفيد أن معظم المدارس الخاصة توظف معلمين من القطاع العام، وهو ما يؤكد ارتفاع معدلات التغيب في المدارس الحكومية (والتي تصل 29% حسب التقرير، أي ضياع بحوالي الثلث).
ومن اجل الاستفادة من التوظيف الموازي في التعليم الخاص يسعي جميع المدرسين الي التحويل الي العاصمة (75% من التعليم الخاص) بشتى الوسائل!! مما تسبب في تدمير التعليم في الداخل وتسيب كبير في الطاقم التربوي، فمثلا في الوقت الذي يتم فيه تعويض النقص الكبير في المدرسين عن طريق العقدويين يتواجد في نواكشوط 21.6 % من مجموع مدرسي موريتانيا في حين يحتوي فقط على 6% من المدارس الأساسية و16.6 % من التلاميذ!! وقد اعترفت الوزارة بهذا الواقع ضمنيا إبان إضراب المدرسين الأخير حين كشفت عن وجود احتياطي من المدرسين!!!
إذا من الواضح ان التعليم الخصوصي وان كان يساعد في تجنيب الحكومة لأعباء (16% من عدد التلاميذ وطنيا) لكنه بالمقابل يتسبب في ضياع (29% من مقدرات التعليم)، وهو ما يعتبر الجذر الرئيسي لفشل التعليم في موريتانيا.
ولقد تحول التعليم الخصوصي في ظل انعدام الرقابة وغياب التنظيم، الي سلعة /بضاعة حيث شهد اكتظاظا كبيرا داخل بنايات غير مؤهلة في الغالب، وأصبح الهدف المعلن لكل مدرسة هو " النجاح الكلي " لتلاميذها دون التزام بالتقييم الجدي أو المنهاج الدراسي.. كل هذا بالإضافة الي المضاربات بأسعار ورسوم التمدرس التي وصلت الي ارقام قياسية مما أدي الي ضرب القدرات المالية المحدودة لدي غالبية الأسر وخصوصا تلك التي لديها عدة أبناء في سن التمدرس.
هذا " التكوين الانتقائي " خلق ثغرة في معارف ومهارات التلميذ؛ فمثلا أظهر مسح SDI (Service Delivery Indicator ) لعام 2018 أن فقط 11.5 % من تلاميذ السنة الرابعة ابتدائي في التعليم الخاص يستطيعون قراءة فقرة من 8 جمل بالفرنسية و29.8 % باللغة العربية وأن 4.4% فقط تستطيع ضرب عدد من رقمين، وهي نتائج كارثية بالنظر الي المبالغ التي تدفعها الاسر لتعليم أبنائها وهامش الربح الكبير للمدرسة!
إذا من الواضح ان الحل نظريا لا يمكن ان يكون الا ما تعهد به رئيس الجمهورية من الغاء التعليم الخصوصي الأساسي لكن تنفيذ هذا الاجراء يصطدم بمناورات يقف ورائها لوبي المدارس الخصوصية والذي اثبت قوته في جولات سابقة (فرض الضرائب على المدارس 2019، الحصول على تعويضات كورونا 2020.. الخ).
بالتالي يجب:
- اتخاذ القرار بسريان مفعول فوري يشمل سنوات المدرسة الستة، على ان تقوم الحكومة بإيجار منازل مؤقتة لاحتضان التلاميذ (حوالي 3000 غرفة) وتوظيف احتياطي المدرسين المتكدس في نواكشوط لتأطيرهم في انتظار بناء مدارس.
- تكوين مدرسين خاصين بالتعليم الخاص وتحريم استخدام المدرسين العمومين.
- تحديد سعر التعليم الخصوصي من طرف الدولة مع فرض ضريبة يتم توزيع عائداتها على المدرسين في المناطق النائية والقرى من أجل تثبيتهم في المناطق المعزولة.
مع التحسينات التالية بالنسبة للمدرسة العمومية:
أولا: إنشاء سلك خاص بالأمن المدرسي يتولى تأمين محيط المدارس العمومية وتعزيز الرقابة داخل المدرسة.
ثانيا: سحب ملف صيانة المدارس من البلديات وتكليف مركز خاص تابع لوزارة التعليم بهذه المهمة مع تخصيص ميزانية ضرورية
ثالثا: تحديد أهداف سنوية لكل مدرسة مع ربط علاوات المدرسين بالأداء
هكذا يتم إعادة التعليم الي السكة في انتظار خوض معركة الإصلاح!!