لم يعد سرا أن هناك جهة محددة في وزارة الثقافة "الوصية على الإعلام"، تسعى لحسم موضوع تمثيل المنظمات الصحفية في عضوية لجنة تسيير صندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة لفائدة إحدى المنظمات الصحفية لأسباب لا يجهلها إلا من لا علاقة له بالحقل الصحفي في بلادنا، وذلك على حساب آلية التناوب بين ثلاث هيئات للناشرين جرى اعتماد تمثيلها منذ 2012 حتى 2018م.
والواقع أن احتكار التمثيل على أي منظمة نقابية يخالف النظام الليبرالي التعددي الذي انتهجته موريتانيا منذ إقرار دستور 1991 والذي يتناقض مع الاحتكار تماما ويسمح لجميع المنظمات بالدفاع عن مصالح منتسبيها وأعضائها في تناوب ديمقراطي يحيل إلى التناوب على السلطة بين الأحزاب السياسية، وهو الذي يضمن التوازن في نتائج أعمال اللجان، ولنا في تجربة نتائج أعمال 2020 خير مثال على ذلك.
وإذا افترضنا أن ما يفكر فيه بعض المعنيين في وزارة الثقافة "موضوعي وحاسم" فهل هو قانوني وديمقراطي وعادل ؟! وماذا لو كانت جميع المنظمات أو معظمها أو بعضها تحظى بنفس مستوى التمثيل العددي، هل يتم التناوب بينها أم تحتكر التمثيل تلك التي تلقى هوى في نفس المكلفين بالملف لسبب أو لآخر؟! وماذا لو كان أعضاء المنظمة التي يعتبرها المعنيون في القطاع هي "الأكثر تمثيلا" أقل صدورا وانتظام صدور ومصداقية ومهنية، بالمفهوم المهني، من المنظمات الأخرى ؟!.
الحقيقة أن هناك من يريد توريط معالي وزير الثقافة، الجديد على القطاع، رغم سعة اطلاعه وثقافته الواسعة وحذره الشديد، في ملف محسوم سلفا بآلية التناوب الديمقراطي المعتمدة منذ 2012، لذلك يعملون بكل الطرق لفرض تمثيل هيئة بذاتها و"بمسمياتها المتعددة" على حساب آلية التناوب التي رضي بها الجميع لأنها وحدها التي تحترم القانون والتعددية، وهي محاولة تشويش تحدث في ملفات كثيرة على مسار الإصلاح والتمهين الذي تبناه وأعلنه فخامة رئيس الجمهورية و"المبني على الشفافية والعدل والإنصاف وبناء دولة القانون والمؤسسات".
لقد حاول هؤلاء مجددا فرض تمثيل تجمع للناشرين تم تمثيله سنة 2019 و 2020 لأن لدى بعض أعضائه علاقة وطيدة جدا بأحد رجال الأعمال الوازنين، وببعض المعنيين في الوزارة، وهي العلاقة التي حرمتهم من التمثيل عام 2018 لكن الوزارة صححت ذلك الخطأ ليتم تمثيلهم في العام 2019 وبالتالي فإن محاولة فرضهم مجددا سنة 2021 ستواجه بكل تأكيد بالرفض القاطع وبمواصلة الاحتكام للقوانين المعمول بها في الجمهورية لأنها تخالف المنطق والقانون ومبدأ العدل والإنصاف، ولأنه لا "أحد" فوق القانون، خاصة إذا علمنا أن أخطاء الإدارة، سواء كانت متعمدة أو غير مقصودة، يصححها القضاء إذا لم تصححها الإدارة نفسها، ولها تبعات لن تكون في صالح "تلك" الإدارة مستقبلا.
إن آلية التناوب في تمثيل الصحافة الورقية جرى اعتمادها، على غرار باقي التشكيلات الصحفية، منذ إنشاء صندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة وانطلاقة عمله عام 2012 وتم احترام تلك الآلية حتى 2018 حيث تم حرمان "تجمع الصحافة" من التمثيل بسبب علاقته برجل أعمال معارض للنظام آنذاك، وبعد إنصاف "التجمع" عام 2019 ومنحه حق التمثيل، فإن الدور تلقائيا يصبح من نصيب الاتحاد المهني الذي تأسس في مارس 1994 ويضم خيرة الصحف والمواقع الموريتانية وأجرى 14 تجديدا لهيئاته القيادية منذ إنشائه وحتى اليوم، إلا أن قرار النافذين في الوزارة السنة المنصرمة 2020 جاء لصالح أصدقائهم في نفس التجمع الذي حظي بالتمثيل عام 2019 وهو ما حدا بالاتحاد المهني إلى توكيل تقديم شكوى للعدالة توجد حاليا في عهدة الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، وهو إجراء مدني متحضر يعكس إصرار الاتحاد على الدفاع عن مصالح منتسبيه وعلى فرض احترام النظم والقوانين المعمول بها والاحتكام إلى العدالة في حالة الشطط في استخدام السلطة من طرف الجهات الإدارية.
إن الجهة التي تسعى أطراف في الوزارة إلى أن تعيد تمثيلها تنتسب لها صحف صدرت خلال سنة 2020 أقل من الحد الأدنى (ما بين 0 إلى 1 إلى 31 مرة ) وكذلك سنة 2021، بينما تتصدر صحف الاتحاد المهني حتى الآن انتظام صدور الصحف الموريتانية بيومياتها وأسبوعياتها جميعا، وهو ما جعل بعض "الزملاء" يتكتلون لاستعادة بعض الوزن الذي افتقدوه وخاصة في مجالي الصحافة المكتوبة والالكترونية لإيهام الجهات الرسمية بأنهم يشكلون "كتلة وزانة"، و"أغلبية في الحقل" وهو ما لا ينطلي على أي عارف بالمشهد الإعلامي الوطني.
إن دستور موريتانيا يؤكد في مادته العاشرة على أن الدولة تضمن لكافة المواطنين، إلى جانب حق التملك:
حرية الرأي وحرية التفكير.
حرية التعبير.
حرية الاجتماع.
حرية إنشاء الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة سياسية ونقابية يختارونها.
وبالتالي فهي تضمن التعددية وتصونهاـ ولا يمكن احتكار التمثيل النقابي والجمعوي في جهة واحدة لأن ذلك يخالف القانون الموريتاني والنظام الديمقراطي التعددي، كما يخالف المنطق والعدل والإنصاف.
وبالتالي فإن رئيس الجمهورية وبموجب نص المادة 24 من الدستور: "هو حامي الدستور" ومحاولة الالتفاف على القوانين والدوس على قيم دولة القانون والمؤسسات هي محاولة للمساس من المكانة الدستورية لفخامة رئيس الجمهورية، وهي محاولة متواصلة منذ تنصيب رئيس الجمهورية، قبل عامين، للتشويش على مسيرة البناء في كنف العدل، فضلا عن أنها تشكل مسعى مكشوفا لتوريط معالي وزير الثقافة الرصين في ملف محسوم سلفا بالقانون وبآلية التناوب الديمقراطي، ذلك أن أي جهة لن تقبل أن تمثلها جهة منافسة، ولا أن تحتكر التمثيل نيابة عنها، ولو كانت تقبل بذلك لما كان هناك تعدد للمنظمات بل لانصهرت جميعها في اتحاد موحد، إلا أن ذلك لم يتم لأن كل منظمة تجد ذاتها في الإطار الذي يمثلها وذلك حتى إشعار آخر.
إن عملية أخرى غير آلية التناوب الديمقراطي القائم منذ 2012 ليست بريئة ولا يمكن القبول بها تحت أي ظرف، وخاصة إذا علمنا أن من افتعلها قام بذلك خدمة لزبونية ومحسوبية مكشوفة لصالح أطراف يهمه أن يقدم لها "خدمة مجانية" على حساب مبادئ العدل والإنصاف وإرساء أسس دولة القانون والمؤسسات في بلد هو في أمس الحاجة إليها وإلى القضاء على ظواهر "السيبة" والزبونية والمحسوبية والمحاباة التي أعاقت تقدمه منذ عقود.