إن الذي أصاب المسلمين والعرب مرض يستعصي على العلاج إنه الأختلاف في كل شيء وعلى كل شيء "اختلاف سرطاني" في العقائد و العبادات والسلوكيات والأخلاق والممارسات اليومية في كل أمر من الأمور الدينية والدنيوية تجدهم يختلفون ولا يتفقون على شيء، إن اتفاق المسلمين على وحدانية الله وصدق رسول الله محمد صل الله عليه وسلم وعلى أركان الإسلام وقواعده الرئيسية لم يمنع من أن يفترقوا بعد ذلك على ألف فرقة على فهم النصوص وتحديد دلالاتها المحددة لمعنى الإيمان وحقيقته ومعنى التصديق والأتباع فتم المبالغة و تضخيم ما تم الاختلاف في فهمه من الكتاب والسنة حتى لم يبقى مجال للألتقاء وأصبح لكل فئة أدلتها ومستندات منطلقاتها التي تؤمن بصحتها وصدقيتها، فكل فئة تعتبر نفسها الفئة الناجية وحدها ولا ناج سواها، السلفية تتشعب إلى سلفيات: جهادية لاتقبل نقاشا ولاتحبذ لقاء من ليس منها تعتبره عدو لها!! وسلفية تابعة للسلطة ملكية وغيرها تقدس السلطة وتعتبر قراراتها مطلقة صحيحة مسلم بها، وسلفية غير ذلك بين بين، وسلفية شبه صوفية كالتبليغيين الذين بدأوا مذ سنوات قليلة في باكستان يتجنبون الخوض في السياسة، يعتبرون أنفسهم سنيون على خطى الرسول وأنهم في سفينة نوح من لم يركب معهم غرق وهلك، وسلفية مذهبية تتبع المذاهب وتقدم الأشتهاد والقياس والتقليد على الكتاب و الحديث الشريف وترى موقفها عين الصواب، وسلفية منفتحة على كل التجارب السلفية وغيرها وتعتبر المقاصد الشرعية هي الأولى بالعناية وتبحث عن التفاهم ولو كلفها التفريط ببعض الثوابت !!
وهناك صوفية انقسمت إلى مذاهب صوفية كثيرة تزعم جميعها أصولها وفروعها اتباع السنة والالتزام بظاهر الشرع وجميعها تعتبر العلم شريعة وحقيقة وبعضها يقول أن العلم الذي أعطي للرسول من لدن الحضرة الإلهية ثلاثة علوم: علم الشريعة لكل الناس وعلم خاص للنبي لا لأحد آخر، وعلم أعطي للنبي يعطيه لمن أحب وفيها نوعيات وأشكال ودرجات أخرى يصعب تعدادها تدق على الوصف!!
وهناك طائفة إسلامية انفردت برفض الولاية لغير العترة الشريفة وسميت "شيعة أهل البيت" وافترقت لأكثر من فرقة منها الجعفرية الإثناعشرية وهي الأكثرية اليوم والإسماعلية التي توسعت كثيرا في الماضي وكانت في مصر والشام ومناطق أخرى ثم تراجعت ومن بقاياها العلوية في تركيا وسوريا ، وهناك الزيدية التي إمامها الإمام الخامس وتلتقي مع السنة في كثير من الأمور وكانت في اليمن مع الشافعية في شبه وئام.. وهناك الطائفة الأباضية مستقلة عن السنة والشيعة والتصوف موجودة في عُمان وفي الجزائر بعضها..ومجموعات أخرى يختلف في شرعية انتسابهم للإسلام كالبهائيةوالدروز..إلخ !!!
هذه المجموعات المسلمة تؤمن جميعها بوحدانية الله وصدق رسالة الرسول محمد صل الله عليه وسلم و بأركان الإسلام الشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله والصلاة وصيام رمضان والزكاة والحج ، والإيمان بالقدر خيره وشره وبالبعث والحساب والجزاء وأنه إما إلى جنة وإما إلى نار!!!
رغم ما يجمع كل هذه الفئات من عقائد وقواعد ومبادئ لم يمكنها الانسجام والتعاون ، فيما فيه مصالحها و أمنها واستقرارها وليمارس الكل طقوسه وعباداته فيما استقر عليه علمه ورأيه وتقليده بلاخلاف ولاصراع مع احد!!
في الوقت الذي نرى العالم من حولنا متفقون ومنسجمون في تسيير أمورهم بنشاط وجد وكلهم يمارس طقوسه دون إحراج لأحد، مختلف الأمم في جميع بقاع الأرض يسود بينها السلام والتعاون رغم اختلافهم في العقائد، نرى الصين بلا ديانات والهند بمئات المعتقدات وإمريكا بعشرات الديانات والمذاهب وهم جميعا متفقون على مصالحهم ومنسجمون في حياتهم ومتوحدون وتجري أمورهم بسلاسة ولين، بينما استحال اتفاق العرب والمسلمين على عمل مشترك يحمي أوطانهم ويحفظ ثرواتهم ويوفر شروط حياة طبيعية آمنة مستقرة لهم يتمتعون فيها بما أنعم الله عليهم به من الهداية والرشاد والحكمة والعدل والسداد استلهاما لآي الكتاب وسنة المصطفى واقتباسا من سيرة النبي صل الله عليه وسلم وخلفائه ومن اقتدى بهم من الأبرار،الذين تطفح المكتبات بسيرتهم العطرة وافكارهم النيرة، لقد طغى الاختلاف وظل البحث عن توسيعه وتعميقه وتطويره وتنميته هو الهدف، و صار كل شيء غير الأختلاف والتنازع لايهم، فشغل الجميع أن يخرجوا من الملة من لا يوافق مذهبهم وفهمهم ورأيهم وطريقتهم فلم يعملوا مثل أهل الأرض كلهم بما يجمعهم من أمور تنفعهم وترك مايختلف عليه كخصوصيات تترك وتحترم لبعضهم لقد جعلوا استأصال شأفة بعضهم البعض في مقدمة أولوياتهم السنة لايقر لها قرار قبل اسأصال شأفة الشيعة والشيعة كذلك وكل الطوائف والفئات مشغولة بما يضر اخواتها ويؤذيهم وأعداؤهم يعملون بجد دون إحراج أومنغصات لاستأصال شأفةالجميع!!
لقد منع المسلمون والعرب من تدبير أمورهم شدة (هذا الاختلاف الملعون،) الذي جعل بأسهم بينهم شديد،"تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" فكل ما يجمعهم يطغى عليه المبالغة في تضخيم مايخالفهم حتى يغطيه ويشكل حاجزا يحول بينهم وبين التعاون إن هناك عقبة كأداء تمنع الوصول لرأي صحيح وعمل مفيد يخدم هذه المجتمعات التي تعيش التيه والضياع ..!!!
فهذه الأمة رغم عددها الذي يجعلها من أكبر التجمعات البشرية وأكثرها قدرة على النهوض والتطور إلا أنها تظل أخف من الريش وأضعف من حشرة البق وأوهن من بيت العنكبوت أوطانها مستباحة وثرواتها مستلبة وكرامتها مهانة فسهل عليها التخلي عن كل شيء ونسيان كل شيء نسيت الجزيرة الخضراء وكأنها لم يكن فيها الشاطبي صاحب "الأعتصام والموافقات " والقرطبي وشرحه الكبير للقرآن وكأنها لم تولد ابن رشد وابن حزم وعشرات الأفذاذ الذين أوصلوا العلوم الدينية والأدب العربي لدرجة من النضج والعمق غير مسبوقة وجعلوا الثقافة والحضارة العربية الإسلامية تبلغ شأوا لم تبلغه حضارة وثقافة أخرى قبل ذلك في كل العالم !! إن من تغيب الأندلس من ذهنه لا يمكن ان نستغرب ضعف اهتمامه بفلسطين وكشمير وغيرهما من قضايا الأمة !!
إن اختلاف الأمة في كل شيء جعلها ضعيفة الأهتمام بجميع أمور المسلمين بل إن بعض فئات المسلمين المهمة اليوم ترى تميزها متأتي من عدم خوضها في السياسة كأن مايجري للمسلمين يجري في كوكب آخر لايعنيها وكأن عدم الأهتمام بأمور المسلمين أمر مشروع لا ضرر فيه!!..
فتعامل الأمة اليوم و أمس وأول أمس مع جميع القضايا ومع القضية الفلسطينية بشكل خاص يوضح تهاونا كاملا ولامبالاة بما يجري في المحيط والجوار عندما كان الحكام والعلماء معهم يشاهدون خطوات الاستيلاء على فلسطين خطوة خطوة وكأن مايجري لايعنيهم ولابأس به!! وكان الإنجليز الذين ينفذون هذه الجريمة آن ذاك هم أصدقاء وحلفاء الملوك الذين يدّعون التحالف مع علماء المذاهب السنية المجدِدة في الجزيرة العربية !!
وعندما ارتفع مستوى الوعي وتوسع التعليم تم تعبئة شباب الأمة لقتال الروس في آفغانستان تحت شعار مقاومة الإلحاد ذاك الادعاء الذي يصدق عليه( الحق الذي يراد به الباطل) فآفغانستان تستحق مقاومة للذين يحتلونها لكنها ليست أكثر أحقية من فلسطين وليست أولى بالجهاد من أرض فلسطين بالنسبة لجوارها وإخوتها العرب وآفغانستان لاينقصها المقاتلون والجهد الذي بذلته السعودية وباكستان والمخابرات الإمريكية في تدريب وتسليح المقاتلين كفيل بأداء المطلوب لو وجه لتدريب الأفغان وتسليحهم لكن إمريكا رمت إلى تحقيق هدفين استراتيجيين لها تضعيف الاتحاد السوفياتي خصمها وعدوها اللدود وفي نفس الوقت إشغال الشباب العربي المسلم في قتال بعيد عن فلسطين لتكمل إسرائيل هضم ماابتلعت من أرض الإخوة الفلسطينيين!!
لقد أعمى الله كل الأبصار عما اتفقت الحكومات العربية وإمريكا عليه فتم إشغال الشباب على نطاق واسع ومن بينهم شباب فلسطينيون بالقتال في آفغانستان، وكان للعلماء والدعاة دور رئيسي في تعبئة الشباب المؤمن وفتح أبواب الجنة للراغبين في الشهادة في آفغانستان وكأن أهل فلسطين غير مطرودين من أراضيهم منذ ١٩٤٨- ١٩٦٧ وكأنهم ليسوا أقرب في الدم والجوار!! ونعتقد أن الأكثرية من العلماء والدعاة انطلت عليهم حيلة إمريكا والأنظمة ولم يقصدوا صرف الاهتمام عن فلسطين كما هو الحال عند إمريكا والحكومات العربية.
وكان جزاء الشباب الذي هزم الروس وطردهم السجون والمطاردة والأتهام بالإرهاب واستمرت الأمة على حالها يتعاون الجميع وتتصارع هي ويتحرر الجميع وتخضع هي تحتل الجيوش الأجنبية بلادها وتدمرما بنت شعوبها وتذل ويصفي قادتها ورجال العلم فيها ويتباها ويتفاخر مسؤلوها بأدوارهم التآمرية فيما يجرى لها وباستجلابهم للقواعد العسكرية والقوة الجوية التي دمرت مدنهم وأفنت خلائقهم فا الجميع يعلم أن "الرقه " في سوريادمرت و"الموصل" في العراق دمرت ولم يسأل أحد عما كان في المدينتين من الأطفال ومن النساء ومن المسنين و ذوي الأحتياجات الخاصة دفنو كلهم تحت انقاض مساكنهم في عمل لم يشهد التاريخ له مثالا ؟؟ !! ولم ينبس أحد ببنت شفة كأن لم يحدث شيء!!! لماذا لايسألون عن شيء ولايهمهم شيء ؟ !
ومع كل سوء الحال وتأزم الأمور ومقاسات الظروف ومعانات الظلم والأضطهاد لايزال الجميع يتبارون ويتنافسون في صحة العقائد و في الثبات على النهج القويم و يدعي الكل قوة إيمانه ورشاد قياداته الروحية المؤيدة بالإلهام والسداد بافضال ومنن رب العباد!!!
وهكذا الجميع يعيشون خارج الزمن لا يقبل أحد منهم أحدا للأشتراك في دين ولا تجمع أحد منهم مع أحد مصالح في وطن ولا يستحق أحد منهم من أحد عطفا ولا يستأهل منه عونا .
ونتحدث عن وحدة ملة الإسلام وإلهها الواحد ورسولها الخاتم (صلعم) وكتابها الفرقان ..،سبحان الذي خلق فسوى وقدر فهدى نسأله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه و أن يلهمنا تمثل قول المصطفى الأكرم صل الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تدعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).وعندها نستحق حمل إسم الإسلام!!!