اسيقظت الساكنة الموريتانية ذات يوم على أول انقلاب ضد الشرعية الدستورية التي يمثلها سيدي ولد الشيخ عبدالله ، وكثر اللغط آنذاك حول قادة الانقلاب، ليتبين أن الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيزهوقائدالانقلاب، كرد سريع منه على إقالته من قيادة الحرس الرئاسي، ومنذ ذلك الوقت تشكلت ماعرف بالجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، ودخلت البلاد في أزمة سياسية غير مسبوقة استمرت عاما كاملا لتنتهي بما اصطلح عليه باتفاق داكار.
الأزمة السياسية..التاريخ يعيد نفسه
ماساءني وغيري من متابعي الشأن السياسي في موريتانيا أن شخوص الأزمة وأطراف الصراع لاتقيم وزنا للشراكة السياسية التي هي أصل ثابت في العمل السياسي، مفضلة التراشق بالكرات النارية أوقذائف المولتوف كمافي القاموس السياسي المصري، فهاهي موريتانيامن جديد تشهد أزمة سياسية خانقة أطرافها منسقية المعارضة الديمقراطية ، ونظام الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، حدث ذلك بعد أن تبين أن النظام الحالي يقود البلاد إلى حافة الهاوية، وأن مشاكل الشعب في ازدياد،حينها رفعت المعارضة الحالية شعارها بالدعوة لرحيل نظام محمد ولد عبد العزيز، وبين الكشف عن شعار الرحيل ويومناهذا، عشنا على وقع هزات ارتدادية ومواجهات حقيقية، وكانت أزمة الجفاف القاتلة وقودا زاد من بقع الحرائق ، فلم تسلم جهات موريتانيا الأربع من شظايا تلك الحرائق، وهوماجعل منسقية المعارضة وهي المتشوقة إلى ربيع عربي موريتاني، تطلق العنان لحناجرها المبحوحة أصلا ،بسبب معاناتها السابقة ،وهي تناهض الانقلاب ضد الشرعية، تحت يافطة ما سمي حينها بالجبهة الوطنية، وتواصلت المسيرات المناهضة للجنرال محمد ولد عبد العزيزومجموعته العسكرية ، وتخللتها اعتصامات ليلية نوعية حضرتهاالجماهير المتعطشة للتغيير ، وكانت بداية مرحلة جديدة من النضال السياسي المستمر، وشهدت البلاد من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها حراكا شعبيا مطلبيا ،تزامن مع نشاطات الحراك الأم في العاصمة انواكشوط، وفجأة في غمرة الصراع والعراك السياسي طفت إلى السطح مبادرات سياسية لم يكتب لها النجاح أوالحضور الإعلامي الذي حظيت به مبادرة رئيس البرلمان الموريتاني التي يبدوأنها بقيت صامدة رغم عاديات الزمن وعواصف التصعيد.
مبادرة مسعود .. الصمود المحير
وكماأسلفت عاشت البلاد على وقع مبادرات سياسية لم تعمر طويلا،ولم تلقى الحضور الإعلامي الرسمي الذي حظيت به مبادرة الرئيس مسعود ولدبلخير ، التي تمت تغطيتها من طرف الإعلام العمومي، وأجريت مقابلات مع صاحبها عكس ماحظيت به مبادرات سابقة، وخرجت حينها أطراف من النظام تنفي علاقتها بالمبادرة ،وأنها مبادرة شخصية من السيد مسعود،لم يستشرهم فيها ،وكأنها محاولة لدفع تهمة "الوكالة" عن المبادرة، قد يقول قائل إن شخصية الرجل ورمزية موقعه السياسي قديكونان وراء الصمود الأسطوري للمبادرة، لكن تاريخ الرجل أيضا "وواقعيته" السياسية قد يجعلان منه الأقدر في الوقت الراهن على " مهمة تاريخية" كهذه، وهكذا تلقفت أطراف الصراع مبادرة الرجل بإيجابية، بعد تحفظات سابقة عليها، وأكاد أجزم أن النظام عن قصد وغيره يبدو المستفيد الأكبر من نجاح المبادرة، وقديعيد تجربة ماقبل اتفاق داكار،الذي استنزفت فيه المعارضة وحظيت بتنازل في اللحظات الأخيرة،دون أن تتمكن من ترتيب صفوفها وتحالفاتها ،مما مكن النظام من هزيمتها في انتخابات لم تعد العدة لها ، ولاتزال تعيش واقع صدمتها حتى اليوم، وستكون منسقية المعارضة اليوم أمام سيناريو شبيه بماقبل اتفاق داكارإذا هي قبلت بالمبادرة:
.أن المبادرة الحالية لم تخرج بالفعل إلا بعد سنة عاصفة، استنزفت فيها المعارضة ،ومنحت النظام فرصة قيادة حملة مضادة لتشويه المعارضة السياسية، وتحميلها كافة الأزمات .
.أن النظام سيعى في إطارالمؤامرة الجديدة أن يطيل أمد الحوار حتى آخر لحظة ، قبل الانتخابات الرئاسية ،وحينها سيمنح المعارضة المشاركة في حكومة توافقية ، وسيستخدم حكومة التوافق هذه في حملته الانتخابية ،متهما المعارضة بتأزيم الواقع السياسي بغية المشاركة في الحكم، وهومايشكل ضربة قوية للمعارضة، الخارجة لتوها من حراك سياسي جهيد، وهنا تبدوالمعارضة في وضع لاتحسد عليه، فإما أن تصر على موقفها المشرف المناهض للحضور العسكري في الحياة السياسية ،أوتقبل بأنصاف الحلول، وبوادر خيوط مؤامرة جديدة حيكت في الكواليس من طرف نظام استمرأ المكايدة السياسية ضد خصومه السياسيين.