مصانع "موكا"هل تم الانتقال من المناوأة إلى التطبيع ؟ / محمد جبريل

على مدى أكثر من عقد من الزمن منذ ظهورها (2010) شكلت شركات مسحوق الأسماك والمعروفة محليا ب"موكا" على مستوى العاصمة الاقتصادية ،شكلت هذه الشركات جدلا لا ينقطع وبلغ هذا الجدل ذروته في السنوات الخمس الأخيرة ،حيث شهدت أعلى مستويات التصعيد بين ملاك هذه الشركات والمناوئين لها من نشطاء بيئيين وبعض الحراكات المحسوبة على الساكنة الأصلية للمدينة الساحلية 

لكن طيلة هذه المرحلة صمد ملاك شركات دقيق السمك والزيوت "موكا" ويعود هذا الصمود وفق رأيي إلى عاملين أساسين 

الأول :اعتماد ملاك الشركات على نظرية أن الأسماك التي يستهدفونها هي أسماك سطحية مهاجرة ومما عزز هذه الحجة عشرات الباحثين في المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد الذين أكدوا هذه الحقيقة في أكثر من خرجة وخاصة في الأنشطة التي تنظمها هذه الشركات أو بعضها الممول من الشركات على قلتها 

الثاني:اتكاء ملاك مصانع" موكا " على شبكة علاقات قوية بأصحاب النفوذ من وزراء ونظام سياسي سابق يبدو من سياقه العام أنه داعم وتأكد ذلك من خلال اللقاء الشهير الذي عقده الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز مع ملاك هذه المصانع بداخل القصر الرئاسي 

ورغم هذا كلها فقد استطاع النشطاء البيئيين تحويل قضية الأضرار البيئية والصحية لهذه المصانع إلى قضية رأي عام محلي ووطني طرحت في البرلمان في غير ما مرة وعلى الوسائط الاجتماعية التفاعلية 

ويبدو أن انشاء المنطقة الحرة كان له الدور الأبرز في التسريع من الحراك المناهض لمؤسسات دقيق السمك والزيوت "موكا" وذلك لما تشكله سمعتها  كأكبر ملوث للبيئة والصحة في العالم ،على استقطاب المستثمرين 

تمثل هذا التأثير بالمواجهة المبكرة لملاك هذه الشركات مع الرئيس الأسبق لسلطة منطقة نواذيبو الحرة انتهت باستسلام أباطرة "موكا" وتقليم أظافرهم وفرض اجراءات من قبيل التفتيش الدقيق للمصانع واحترام دفاتر الالتزامات والحد من الانبعاثات النتنة في البحر والهواء 

ظن الجميع أن المعركة حُسمت لصالح النشطاء البيئيين المناوئين معززين بشخصيات محلية سياسية وبرلمانية 

إلا أن النشاط الأخير (Farines et Huiles de poisson) كان في غاية الغرابة من حيث توقيته وحضوره من طرف ملاك هذه المصانع فضلا عن خبراء دوليين ومشترين لمنتجات "موكا"ومن أبرزها شركة "أولفيا" وحيال هذه تطفو على السطح أسئلة ثلاثة :

الأول :هل نجح ملاك "موكا" دوليا بعد أن أخفقوا محليا ووطنيا ؟

الثاني:هل هناك تزكية لهم من طرف وزارة الصيد ؟

الثالث:أين المناوئين لهذه الشركات من نشطاء بيئيين وقادة الحراك الذي يقوده أبناء المدينة؟

تبدو الإجابة على السؤال الأول بنعم شبه مستحلية الا في حالة ما إذا كانوا نجحوا في مغالطة الشركاء الدوليين وهو ما ظهر خلال عرض أحد الخبراء في الورشة الأخيرة!

أما السؤال الثاني تبقى الإجابة عليه متعذرة في ظل وجود وزير جديد للصيد لم يظهر له موقف حتى الآن تجاه هذه الشركات الا أن توجه الوزارة نحو تثمين منتجات الصيد يجعل أمر التزكية مستبعدا 

تبدو وزارة الصيد أمام خيارين متناقضين فهي من جهة تخطط لتثمين منتجات الصيد لما يخلق ذلك من قيمة مضافة لمنتوجات الصيد ثم تسمح بنشاط غامض لشركات متهمة محليا باستنزاف الثروة السمكية للبلاد (140 ألف طن من دقيق السمك للعام الماضي 2020)!

أما السؤال الأخير فيبدو غياب أي نشاط مناوئ للورشة الأخيرة على غير العادة وهو ما أدى لاستغراب بعض المتابعين وتنامي الحديث عن اسكاتهم أو تحييدهم بطريقة أو أخرى 

والخلاصة ، إن أي تطبيع مع شركات دقيق السمك والزيوت "موكا" دون إخضاعها لرقابة تفرض على مصانعا احترام البيئة والصحة للساكنة يعد انتكاسة وتناقضا صريحا من التوجه نحو سياسة تثمين المنتوج البحري الوطني 

كما من شأن الصحوة المفاجئة لأباطرة "موكا" ومحاولتهم إظهار الانسجام مع السياسة العامة القاضية  بتثمين منتوج الصيد (من خلال سياسة الهروب إلى الأمام من خلال الترويج لمنتجات الزيوت واستجلاب شركاء وخبراء دوليين بدا جليا أنه تم التغرير بهم واخفاء الظروف التي تكتنف عملية الانتاج) ، أن يخلق أزمة تضفي بظلالها على مستقبل الاستثمار بالعاصمة الاقتصادية والمنطقة الحرة 

فهل تفرض علينا هذه الشركات سيئة الصيت التطبيع معها أم أن تناقضها مع الاستراتيجية الجديدة للصيد سيكون عاملا مميتا لها ؟

 

1. نوفمبر 2021 - 8:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا