شهدت بلادنا منتصف العام ٢٠١٩ استحقاقات رئاسية جاءت في خضم صراع قوي بين النظام الحاكم والمعارضة دام عدة سنوات، اختلفت فيها حدة الصراع صعودا وهبوطا، وارتفعت فيها الشعارات الحقوقية ارتفاعا غير مألوف في السنوات السابقة، كما كان واقع المجتمع الثقافي والاقتصادي ومستوى الوعي حديث التشكل والانفتاح على العالم الآخر بصفة كبيرة؛ أمور أججت المطالب الشعبية وغذت الصراع بين الحكومة ومعارضتها الحقوقية والسياسية.
أجريت الانتخابات في ظرف شبه عادي وتنافس فيها ست مرشحين من خلفيات مختلفة كان الخطاب الحقوقي في برامجهم السياسية واضحا بشكل كبير، مما عكس وعي المرشحين بحاجة البلاد وتطلع موطنيها، وفي صدد رصد مكانة حقوق الإنسان في تلك البرامج بمقدورنا ملاحظة مكانتها المرموقة التي احتلتها من خلال نظرة بسيطة على البرامج المقدمة، ونورد على سبيل التمثيل نماذج من برامج المرشحين الممثلين لثلاث كتل هي التي شاركت في الانتخابات: الكتلة الحاكمة الساعية لتجديد الخطاب وآلية العمل، الكتل الحقوقية الصرفة، الكتلة التكنوقراطية ذات المسافة الواحدة من الدولة والحقوقيين.
أولا: حقوق الإنسان في برنامج تعهداتي
خصص المرشح للرئاسيات محمد ولد الشيخ محمد احمد ولد الشيخ الغزواني بشكل واضح بندين رئيسن لحقوق الإنسان من جملة أربعة بنود حواها برنامجه تعهداتي، وجاءت محتويات هذين البندين كما يلي:
١-مجتمع معزز بتنوعه متصالح مع ذاته
حوى هذا البند التعهد ب: امتصاص التفاوت الناجم عن التمييز الاجتماعي عبد برامج "داري" و"الشيلة" و"أمل" و"التكافل"، وترقية وتمكين المرأة، والسعي لضمان المشاركة الكاملة للمعوقين في الحياة العامة.
٢- تثمين رأس المال البشري لتحقيق التنمية المنسجة
ويحوي هذا البند تعهد المرشح ب: بالعناية بالتعليم، والصحة، والعمل الكريم للجميع، والتطوير بواسطة الثقافة والرياضة والترفيه.
ويلاحظ في المنحى العام أن المرشح اهتم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أكثر من اهتمامه بالحقوق المدنية والسياسية في برنامجه الانتخابي.
ثانيا: حقوق الإنسان في برنامج استعادة الأمل
قدم المرشح الثاني على اللائحة الانتخابية للمواطنين برنامجا مؤلفا من محورين المحور الثاني كان يحمل عنوان: "موريتانيا العدالة والازدهار"، تطرق فيه المرشح لسعيه للقضاء على التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والبطالة الواسعة والسعي للرفع من جودة التعليم، وخصص الفقرة السابعة من هذا المحور للتعهد "بترقية حقوق الإنسان والحريات العامة"، متحدثا عن عديد الحقوق المدنية والسياسية، وعن محاربة الرق ومخلفاته، وعن تنظيم الفضاء السمعي البصري، ثم جاءت الفقرة الثامنة للتحدث عن "استقلالية العدالة وخدمة دولة القانون".
ثالثا: حقوق الإنسان في برنامج المرشح المستقل بيرام الداه اعبيد
يعرف عن بيرام نضاله الحقوقي الصرف خلال سنوات معينة، وهو مرشح للرئاسيات للمرة الثانية على التوالي، وقد شهد برنامجه الانتخابي هذه المرة تطورا مقارنة بالمشاركة السابقة، كما امتاز على غيره من المرشحين بتشخيصه الدقيق لمشاكل حقوق الإنسان تاريخيا في البلاد ومظلوميات فئات مجتمعية بعينها، وقدم حلولا تنبني بالأساس على محورين: محور اقتصادي يعالج مشكل التفاوت، ومحور تصالحي يعالج مشكل الانسجام المجتمعي.
وفي المحصلة العامة يلاحظ حضور خطاب حقوق الإنسان بشكل لافت في البرامج الانتخابية للساسيين الوطنيين، وظهر ذلك بشكل كبير في آخر استحقاق انتخابي رئاسي كما تقدم، وإن بنسب وتجليات مختلفة، وهو أمر وإن فرضه الحراك حين ذاك وأملاه الواقع؛ كان أيضا مؤشر طمأنة على مستقبل حقوق الإنسان في البلاد، واليوم يرقبه المواطنون خلال جولات الحوار الوطني واقعا ملموسا، يُنفذُ فيه ما خط في البرامج الانتخابية، ويسهم في الرقي بالوطن وقيم الإنسانية والتعايش المشترك، ويحقق الرفاهية والأمن لكل أبناء المجتمع وضيوفه.