اقترنت تجارة المخدرات في العالم الحديث بما عرف بمافيا المخدرات وهي عصابات منظمة و قوية ترتبط بأجهزة الإستخبارات العالمية وتقف خلفها قيادات أمنية وعسكرية وأخري سياسية و تاريخ هذه التجارة في بلادنا شهد تطورات خطيرة لم تكتمل فصولها بعد.
فما هي أهم محطات تجارة المخدرات في بلادنا ؟ وما علاقتها بالصراع السياسي علي السلطة؟ تنتشر تجارة المخدرات في كثير من دول العالم وتتوزع تلك الدول بين منتج لها ومنتفع بتاجرتها التي تدر أموالا طائلة وتستخدم هذه التجارة مراكز النفوذ والقوة في الدول ملاذا آمنا لنشاطاتها . ورغم التشديد علي تجريمها ومحاربتها إلا هذه التجارة متجذرة في أجهزة المخابرات العالمية التي ترعاها وتستخدمها في حروبها الباردة وتحقق من خلالها أهدافا سياسية وتخريبية كثيرة فحبوب الهلوسة وأساليب تخدير القوة الحية في الشعوب (الشباب) أسلحة فتاكة ومدمرة تلجأ إليها المخابرات في حروبها القذرة ضد خصومها في العالم كله. ولعل الدول الفقيرة ،الضعيفة هي الأكثر عرضة لتلك المعارك وتأتي القارة الإفريقية علي رأس القائمة في مخططات تجار المخدرات وخاصة الشمال الإفريقي المستهدف من وجهتين : - داخلية تسعي إلي تدمير كياناته الإجتماعية والثقافية والدينية - وخارجية تستخدمه كسوق لعبور هذه التجارة حيث يساعدها علي ذلك ضعف الرقابة علي الحوزة الترابية وانتشار الرشوة وحدة النزاعات السياسية خاصة تلك المتعلقة بالصراع علي السلطة والنفوذ . وقد عانت بلادنا الكثير من المصاعب بسبب انتشار هذه التجارة وخطورتها فقد استباح تجار المخدرات الأرض الموريتانية و أقاموا ممرات آمنة لتجارتهم مستفيدين من عوامل كثيرة أهمها : - إتساع مساحة البلاد وقلة السكان - ضعف أجهزة الدولة الرقابية - انتشار الرشوة داخل الأوساط الأمنية والرقابية - الإنقلابات العسكرية والظروف التي تخلقها - الصراع علي السلطة المتفاقم نتيجة عدم الإستقرار السياسي - الفقر والتصحر ومخلفاتهما كل تلك العوامل هيأت الأرضية لممارسات مافيا المخدرات ومكنتها من التوغل في نسيج السلطة والقوة في بلادنا. ولعل المؤشرات الكثيرة التي ظهرت جليا في عدة إختراقات أمنية خطيرة قد أبانت عن حجم هذه التجارة ونفوذ المشتغلين فيها : فقد أعلن في عهد الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحد ولد الطايع عن أو ظهور خطير لملف المخدرات ليس في حجم المضبوطات التي كانت تكتشف من حين لآخر- ولايعرف من وراءها - ولكن علي مستوي المتهمين في ملفها فقد سجن وزير سابق وزعيم سياسي بتهمة الإتجار في المخدرات أو تناولها وقد أثارت تلك القضية جدلا واسعا بين مصدق يعتبر أن للموضوع بقية لم يكشف عنها وأن الإتهام ينسحب علي الكثيرين من أمثال الوزير المعتقل آنذاك. وبين مكذب يري أن الأمر يتعلق بتصفية حساب سياسي لآأكثر ومهما يكن من أمر فإن تلك القضية مثلت أو ل توظيف مباشر لملف المخدرات في الصراع السياسي سواء بحق أو بتهمة باطلة وعاد الملف للظهور بعد ذلك في عهد المجلس العسكري الذي أطاح بولد الطايع برآسة مدير الأمن السابق العقد أعلي ولد محمد فال حين ضبطت طائرة تهبط ضحوة في مطار العاصمة الإقتصادية للتزود بالوقود وهي تحمل شحنات من المخدرات وتطال التهم إبن رئيس سابق مايلبث أن يعتقل في بلد مجاور بنفس التهمة وقد نشر وقتها أنه تم العثور علي مطارات داخل البلاد وفي أماكن نائية لا علم للسلطات بها تحط بها طائرات المخدرات وتطير. وقد اتهمت عدة شخصيات من بينها قادة أمن وسياسيون ،لكن التحقيقات توقفت عند صغار المسؤولين وتمت تبرئتهم بعد ذلك وإطلاق سراحهم . ثم أعاد النظام الحالي المشهد إلي الواجهة عندما أقال قاضيا بتمهة التساهل في ملف المفرج عنهم ,لكن ذلك لم يكن سوي ذر للرماد في العيون فالقاضي بريء لم يفعل سوي ما يمليه القانون عليه والجهات المعنية بالتحقيق هي المسؤولة عن إختفاء الأدلة . ومن جديد هاهو الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز يتعرض للتهم ذاتها فقد أعلن نائب في البرلمان الفرنسي من فريق الأغلبية أن لديه أدلة علي أن ولد عبد العزيز يرعي تجارة المخدرات في إفريقيا ولم تواجه اتهاماته بأي نفي رسمي أو احتجاج حتى الآن . وأخيرا طالعتنا المواقع الوطنية بمقابلة لولد الشافعي (وهو شخص واسع الإطلاع بحكم عمله ) يقول فيها إن لديه أدلة علي ورود إسم الجنرال الموريتاني في ملف المخدرات في إحدى الدول الإفريقية . إن هذه التهم المتواترة مسيئة للرجل الذي يشغل منصب رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية وللشعب والدولة الموريتانية كذلك ويبقي أن نتساءل: ماعلاقة هذه التهم بتلك التي سبقتها في عهد المجلس العسكري ؟ وهل هذه إحدى نتائج الصراع السياسي الراهن؟ أم إن الحقيقة لا تظهر إلا حين تتخاصم الأطراف القوية في النظام ؟