بين يدي مشروع “قانون الرموز”../ د. رقية أحمد منيه

شَتَّانَ مَا بَيْنَ النصح والوقوع في العرض، والبون شاسع بين تبيان الخطإ لتدارك تصحيحه ومتلازمة السب والشتم والقذف، لقد نشأت فكرة مشروع ما يسمى ب “قانون الرموز” في بيئة مشحونة باختلاط الحابل بالنابل، والغث بالسمين، والضار بالنافع، والنقد البناء بالتجريح والتشهير، واحترام الخصوصيات بالتعدي على الأعراض، وضع موبوء شوش على التصور، وأثر تأثيرا بالغا على الصياغة الأولية لمسودة مشروع القانون؛ فظهرت بعض الملحوظات والمآخذ المؤثرة على حسن الحبك .. منها.. المزج بين الثوابت وغيرها..عدم النص على وجوب المحافظة على الكليات.. المساس بالحق في إبداء الرأي على سبيل النصح..باعتباره ضربا من ضروب الرقابة العامة..

ولكن بعد الاطلاع على مشروع القانون المعدل؛ تبين لي أنه خضع لتغيير كبير طال أغلب فقراته..وحذفت منه عبارات كانت محل نظر أهل النظر والتبصر، ولكن مع الجهد المبذول والعمل المقدر، تبقى هناك ملحوظات تنبغي العناية بها ليخرج القانون الجديد إلى الواقع التنظيمي بطريقة سلسة..
إفراد الثوابت الدينية بمادة مستقلة وصريحة الدلالة.
النص على وجوب المحافظة على الكليات الخمس التي جاءت الشرائع السماوية مؤكدة على وجوب المحافظة عليها..الدين، النفس، العقل، النسل، المال، ويضاف العرض مع ذكر أوجه الحفظ من جهة الوجود أو من جهة العدم.
النص على الحق في إبداء الرأي في الشأن العام دون إخلال بالأدب ولا قذف ولا تجريح شخصي.
 ترتيب “الرموز” ترتيبا يناسب القيم الحضارية للمجتمع مع التأكيد على احترام الجميع.
النص على اعتبار حقوق الإنسان و خصوصا الحق في الكرامة الإنسانية “رمزا من الرموز”، وإثبات ذلك في متن قانون وطني هو استمداد لآية قرآنية؛ لا تفرق بين الناس، ولا تقيم وزنا للاعتبارات اللونية والشرائحية، وأجزم أنها أصل في عملية بناء الإنسان وتطوير الشعور بالانتماء وتقوية اللحمة الوطنية، قال الله تعالى:
﴿ولَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ﴾ أيْ: “جَعَلْناهم قاطِبَةً بَرَّهم وفاجِرَهم ذَوِي كَرَمٍ أيْ شَرَفٍ ومَحاسِنَ جَمَّةٍ لا يُحِيطُ بِها نِطاقُ الحَصْرِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما كَرَّمَهم سُبْحانَهُ بِالعَقْلِ”. تفسير الآلوسي.
النص على ترميز اللحمة الوطنية، وتجريم كل مساس بها.
النص على احترام “رئيس الجمهورية” لتقلده وظيفة “ولي الأمر” لفترة مؤقتة؛ أثناء فترة انتخابه، وضبط وسائل تقويم أدائه لمهامه المسندة إليه بضوابط الشرع المعلومة بلا إفراط ولا تفريط؛ لأن إهانة ولاة الأمور ليست من المصلحة العامة في شيء ما حافظوا على كليات الدين، وقدموا مصالح الرعية وقسموا بينها بالسوية، ولا يخفى على كل ذي لب ما في مراعاة المصالح المعتبرة شرعا من بسط الأمن، وضبط سلوك أفراد المجتمع،
يقول القرافي -رحمه الله تعالى- في الذخيرة:
“ضبط المصالح العامة واجب،
ولا تنضبط إلا بعظمة الأئمة في نفس الرعية، ومتى اختلفت عليهم
أو أهينوا تعذرت المصلحة”.
وعند تقييد الصياغة بقيم الأمة؛ ينتفي مسوغ التنازع، وأصل الفصل فيه الرد إلى السنة:
‏يقول طاوس رحمه الله: “من السنة أن يوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد، ومن الجفاء أن يدعو الرجل والده باسمه”.
الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي.
استشارة العلماء الراسخين، والاستعانة بهم في تنقيح القانون وتكييفه نصوصه مع خصوصية البلد الحضارية.
ذلك غيض من فيض، وقليل من كثير، حول موضوع لست أهلا للحديث عنه، وقد أسال أقلام العلماء وقادة الرأي والكتاب والمدونين..أعطوه حقه.. سبرا..وتقسيما..وتنقيح مناط..وتحقيق مناط..وحسن تصور..في أحيان كثيرة….ونقدا..وتصويبا..وتقريعا..وتحاملا..في أحيان أخرى..ربما بسبب الحكم عليه قبل قراءته..
وهذه مشاركة من باب الإنصاف حال وقوع الخلاف..
والله أعلم وأحكم والهادي إلى سواء السبيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

10. نوفمبر 2021 - 20:02

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا