مع أني لست من أهل الاختصاص، ولا أفهم في السياسة الكثير، إلا أنني كمراقب ومتابع لما يجري على الساحة الوطنية، وبصفتي مواطنا غيورا على المصلحة العامة، فلم أجد بدا من المجازفة باقتحام حرم القانون ـ وأرجو ألا تكون مساسا بأحد الرموز الوطنية ـ لأقدم للرأي العام قراءة متواضعة ومشاركة متأخرة في الجدل الدائر حول قانون الرموز الوطنية.
بعد ثلاثة جلسات علنية، أجاز البرلمان الموريتاني قانون الرموز الوطنية المثير للجدل يوم الثلاثاء الموافق 09/11/2021 على وقع خلاف حاد حول ما سيترتب عليه من مصلحة ترجى بالنسبة لمؤيديه، وضرر يخشى بالنسبة لمعارضيه.
فبينما يرى مؤيدو مشروع القانون رقم 21/013 أنه ضروري لحماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن، يعتبر المعترضون عليه أن توقيت تقديمه للحكومة لم يكن مناسبا، ذلك أن الطابع الحساس للمشروع من وجهة نظرهم، يفرض إشراك الخبراء والمجتمع المدني في إعداده أصلا ومنح الوقت الكافي لدراسته من طرف النواب، بالإضافة إلى خشيتهم من أن يحمل مزيدا من تقييد الحريات، وكونه يتناقض مع أجواء الانفتاح السائدة حتى الآن؛ كما أشار معارضو "قانون الرموز" إلى أن السعي إلى تكميم أفواه الشعب ليس أفضل الطرق لحماية هيبة الدولة ورموزها ووحدتها، وأن تلك الحماية؛ تبنى أولا في الفصول الدراسية وعبر توفير الخدمات الضرورية وتحقيق الطموحات والانجازات، وتتكرس من خلال تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وليس عبر لغة التهديد والتجريم وفقا لبعض مواد وبنود مشروع القانون.
ويرى بعض الحقوقيين والسياسيين أن البلاد لا تعاني من نقص في وجود القوانين وإنما من تفعيلها وتطبيقها، معتبرين إقحام الرئيس ضمن الرموز الوطنية، قد يكون نوعا من التعريض يضر به سياسيا، أكثر مما ينفعه؛ وأن من يحتاج الحماية في الوقت الحالي هو الشعب وليس الرئيس الذي يحظى بأقوى حماية في النظام القانوني الوطني، ولا الموظفون السامون وقوات الأمن الذين لديهم قوانين خاصة بهم توفر لهم الحماية الكافية.
ويتوجس كثيرون خيفة، من أن يُستخدم المشروع كـ “كمامة حديدية” في وجه النقد وإنارة الرأي العام والمطالبة بالحقوق، من أجل التستر على انتهاك القوانين وحقوق المواطنين وعلى القمع وحماية مرتكبي المخالفات والجرائم من أن تطالهم يد العدالة، والعودة بالبلاد إلى أجواء الدكتاتورية، في تناقض تام مع السياق العالمي الذي يكرس توجها عاما نحو توسيع نطاق الحريات وتكريسها.
بيد أن طيفا عريضا آخر من الحقوقيين والسياسيين، ينظر بعين كليلة لما تبدى لغيرهم من مساوئ هذا القانون، ويؤكد هؤلاء أنه طال انتظاره من أجل وضع حد لحالة الفوضى العارمة التي تجتاح الفضاء الافتراضي، منتهكة الثوابت والمقدسات، ومهددة الاستقرار والسلم الأهلي، ومزدرية برموز الدولة وأعراض المواطنين وطمأنينتهم وسكينتهم العامة، فلابد ـ بالنسبة لهم ـ من أن يدرك مستخدمو الشبكات الاجتماعية أن هنالك حدودا وقواعد قانونية رادعة، وأن المسافة شاسعة بين النقد البناء والهدم والقذف والسب والإهانة والازدراء.
غير أن مكمن اللبس في القانون الجديد، هو أن روحه كانت موجودة أصلا في قوانين أخرى، ولم تستطع الشروح المقدمة إنارة منطقة وجود اللبس، ليتسنى للجميع فهم الهدف منه، حيث يطغى عليه طابع الشكلية في بعده التجديدي، فما دام معظم محددات هذا القانون، هي أمور لا خلاف عليها أصلا، فإن ما يخشاه المتخوفون أضحى منطقيا، وإن كان باعث التخوش من التعسف في استعمال القوانين غير جديد، فلو أن هدف الحكومة هو الشطط والتعسف، كان بإمكانها أن تكتفي بتفسير وتأويل الموجود من القانون لتكييف جرائم المخالفين، وعليه فإنه من الأنسب والأقرب عقلا ونقلا أن ننظر إلى القانون الجديد من زاويه حفظ شرف المواطن والدين وعدم المَساسَ بهيبة الدولة، لتأخذَ حريةُ التعبير مفهومها الصحيحَ بعيدا عن الإهانةِ والتجريحِ والتحريض واستهدافِ الأشخاص والمجموعات، لما لذلك من خطر بالغ على اللحمة الاجتماعية وأمن واستقرار البلد.