حبس وزراء في الحكومة الموريتانية أنفاسهم طويلا في انتظار التعديل الوزاري المرتقب، وهرول سياسيون مسرعين للالتحاق بالأغلبية في وجهه، لكن التعديل جاء عكس توقعات كل هؤلاء، جزئيا ومحتشما. حيث أهمل وزارات كان المراقبون يحسبونها في طليعة المستفيدين من أول تعديل وزاري نظرا لضعف أدائها ولعدم كفاءة وحنكة القائمين عليها. إقالة تأديبية
ويمكن أن يوصف التعديل الذي أعلن عنه بالتأديبي، نظرا لإلغاء كتابة الدولة للشؤون الإفريقية، بعد أيام قليلة من الزيارة التي أداها "ولد عبد العزيز" ل "بركينافاسو " دون أن يجد في استقباله أي مسؤول بوركنابي، بل إن الطائرة التي تقله أوقفت بعيدا من قاعة الشرف في المطار، خلافا للبروتوكولات المعهودة، كما تم إبقاءه والوفد المرافق له داخل الطائرة بعض الوقت في انتظار هبوط طائرة أخرى في المطار. جاءت هذه المعاملة السيئة وغير اللائقة، رغم أن كاتبة الدولة للشؤون الإفريقية "كمبا با"، أمضت أياما في "بوركينافاسو"، في مهمة فاشلة لإنجاح الزيارة المذكورة، وإقناع "البركنابيين" بالاحتفاء بالرئيس الموريتاني . وزير المالية "احمد ولد مولاي احمد"، هو الآخر دخل في خلافات حادة مع مدير الضرائب السابق "سيد عثمان ولد محمد المامون"، المعروف بالصرامة، وقد تحدثت مصادر صحفية وقتها عن أن الخلاف بين الإثنين تجذر، بعد رفض المدير أي مساومة في تخفيض الضرائب المستحقة على المصارف، مما دفع رجال الأعمال المتضررين الي الاستعانة بوزير المالية، حيث خفضها بنسبة7% قبل أن يصل الأمر الي إقالة مدير للضرائب، في قرار وصفه بعض أنصار ولد عبد العزيز بالمتناقض مع السياسة المالية المعلن عنها، وقد تم تعيين كل من وزير المالية المقال، وكاتبة الشؤون الإفريقية المحلولة، مكلفين بمهمة في رئاسة الجمهورية. مفارقة التعديل المفارقة الكبيرة في التعديل هي تعيين "ولد باهيه" على رأس وزارة دولة تم إنشاؤها للتعليم العالي، وانتداب ثلاث وزارات للتعليم الأساسي ، والثانوي، والمهني لديها، مما يدل على عدم اكتراث ولد عبد العزيز بالأزمة التي أثارتها تصريحات ولد باهيه، ابريل الماضي حول التعريب، والتي أكد فيها : انه لا توجد نية لديه ولا لدى الحكومة الموريتانية لتعريب الإدارة، مخالفا بذلك نص الدستور الموريتاني، الأمر الذي دفع العديد من الأحزاب السياسية الموريتانية الي المطالبة بإقالته فورا. ينضاف الي ذلك أن التصريحات السخيفة التي أدلى بها "ولد باهيه" أمام الجمعية الوطنية قبل أسبوع، والتي استند فيها الي دراسة نشرها موقع "كريدم " الالكتروني، تؤكد تفوق جامعة نواكشوط على الجامعات التونسية، لا تبرر أبدا هذه الثقة. مكافأة يعتبر الأمين العام لحزب الاتحاد من اجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا "عمر ولد معط الله"، الذي عين وزيرا للتعليم الثانوي، ابرز المكافئين على عمله السياسي في مجال دعم ولد عبد العزيز، وتطبيق برنامجه الانتخابي، كما يعد تعيينه رسالة واضحة الي الأغلبية، وخصوصا في حزب "عادل" – حديث العهد بدعم ولد عبد العزيز- مفادها أن عليهم أن يدخلوا الطابور وينتظروا . ولا شك أن ولد معط الله سيجد صعوبة كبيرة في الخلط بين عمله الحزبي والحكومي، في أكثر القطاعات العمومية حساسية وأهمية. توازنات الإبقاء على وزير التعليم الأساسي" احمد ولد ادي ولد الراظي"، يمكن أن يوصف بالسياسي، نظرا لكونه ينحدر من أسرة سياسية معروفة في ولاية العصابة وسط البلاد، كما تربطه علاقات اجتماعية مع قائد أركان الجيش الوطني"محمد ولد الغزواني"، وذلك في إطار التوازنات المعهودة في الحكومة، وفي نفس الإطار يمكن فهم تعيين الأمين العام السابق لوزارة الصناعة والمعادن "أيدي كمرا "، وزيرا للمالية، بعد إقالة "كمبه با "، ولإشراك الزنوج في التسيير المالي للبلد، وإرضاء لخواطر الجهات المانحة. ومهما يكن فان التعديل الوزاري جاء مخيبا لآمال قواعد عريضة من الشعب الموريتاني، كانت تتوق لتعديل شامل بعد أن أثبتت حكومة "ولد محمد لغظف" الثالثة، عجزها خلال أكثر من سنة من العمل الحكومي. ورغم أهمية الاستقرار السياسي، وضرورة إعطاء الفرصة الزمنية الكافية ، كي يتمكنوا من فهم وتطبيق سياساتهم القطاعية، إلا أن ذلك لا ينبغى بحال من الأحوال أن يتحول الي ذريعة تغطي بها الحكومات الفاشلة عجزها.