السياسيون المؤدلجون يتكتمون على مواقفهم الحقيقية حيال أي مسألة شائكة أو معقدة قبل أن يتأكدوا من موقف ونية النظام القائم حيال تلك المسألة، خاصة إذا كانوا في مرحلة متقدمة من مغازلة ذلك النظام.
مسألة اللغة العربية في موريتانيا، مسألة شائكة ومعقدة. ولا أحد يعرف بالتحديد نية النظام الحالي بخصوص لغة التدريس، وتعريب الإدارة.
وأغلب الظن أن الأمور تتجه نحو تنفيذ برنامج محدد، يضع حدا نهائيا لسياسة التذبذب اللغوي في المدرسة الموريتانية والإدارة.
يبدو أن التدريس القسري للغة الفرنسية من خلال فرضها على المواد العلمية في السلك الابتدائي والإعدادي، لم يعد مجديا، ولا ممكنا، إلا في بعض الأوساط الميسورة في نواكشوط ونواذيبو وازويرات.
فرنسا، والمجتمعات الفرانكوفونية التابعة لها، لم تعد قادرة، ولا راغبة، في البذل من أجل بناء متهالك، لا يستند إلى ركيزة ثقافية قوية في البلد؛ بل بالعكس : اللغة الفرنسية أصبحت جسما غريبا على الثقافة والمجتمع، وجيوش الفرانكوفونيين الذين كانوا يتبجحون بالدفاع عنها، ويلوون بها ألسنتهم شرقا وغربا، أصبحوا في الهامش، بعد أن كانوا يتحكمون في جميع مفاصل الدولة.
كما أن الحركات السياسية التي كانت تطالب بالتعريب، وتضحي من أجله، تراجعت، وتقاعدت، إثر انخراط قادتها في مشاريع براغماتية آنية، مبنية على حساب الربح والخسارة مع النظام السياسي الحاكم، في كل مرحلة.
لكن، لا أحد يعرف ما ينويه النظام الحالي، من خلال إرسال الإشارات الحكومية المتعددة في العديد من الاتجاهات. الرئيس غزواني لم يعبر عن نيته بصراحة، والرئيس وحده هو الذي لديه القدرة على تنفيذ البرنامج المزمع.
لكنه رجل متكتم بطبيعته، ولا يشاركه أحد في الحكم، مهما كان مقربا منه، وذلك هو الذي يربك المحللين والعرافين.
رأيناه أدرج مفهوم المدرسة الجمهورية في برنامجه الانتخابي، ولكنه لم يحدد معالم تلك المدرسة بشكل صريح وواضح. رأيناه شكل مجلسا أعلى للتعليم، ثم لجنة وزارية لإصلاح التعليم، بالتوازي مع إطلاق حوار وطني يتزامن مع تخليد عيد الاستقلال، أدرجت في أعماله مسألة التعليم ولغة التدريس. رأينا العديد من الحوارات في وسائل الإعلام الرسمية، وشبه الرسمية، تتحدث عن لغة التدريس وتطبيق الدستور.
سمعنا أصوتا تنادي بتدريس اللغات الوطنية، جاءت من مناطق من البلاد، كان أهلها يكتفون بالفرنسية، ويضحون بلغتهم الأم من أجلها؛ وكان منهم من يعتبر العربية أداة لهيمنة العنصر العربي على الزنجي في موريتانيا، ويهددون بتقويض الوحدة الوطنية، كلما حركت الحكومة ساكنا في الموضوع.
الذين يريدون التعريب، لا يرغبون في التضحية من أجله، والذين يدافعون عن الفرنسية نفدت ذخيرتهم، ويتأهبون للفرار أمام الأمر الوقع.
اللغة الفرنسية في موريتانيا أصبحت من الماضي، والعربية تأتي وحدها؛ ها هي قادمة متخفية في بلاد شنقيط، لا يرافقها أحد، ولا يحتفي بها أحد.
سيد احمد ولد مولود
نواكشوط 10 أتوبر 2021