سنخصص هذه الحلقة من سلسلة "معا لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني" لتفنيد حجج المطالبين ببقاء الحال على حاله، أي بقاء اللغة الفرنسية مسيطرة في التعليم والإدارة. ويكفي لتفنيد حجج هؤلاء أن نتقدم إليهم بهذا التحدي الذي لا يمكنهم رفعه، ويتمثل هذا التحدي في مطالبتهم بأن يأتوننا بحجة واحدة متماسكة منطقيا ـ أقول حجة واحدة ـ تدعم مطلبهم ببقاء اللغة الفرنسية مسيطرة.
إنهم لا يستطيعون أن يأتوننا بخبير تربوي واحد في هذا العالم ينصح بالتدريس باللغة غير اللغة الأم، ولا بمنظمة إقليمية أو دولية واحدة مهتمة بالتعليم والتربية تنصح بالتدريس بلغة أجنبية، ولا بدولة واحدة في هذا العالم شهدت نهضة وهي تدرس بلغة أجنبية، وذلك في الوقت الذي تمتلك فيه لغة أخرى يمكن أن يدرس بها.
لقد بحثتُ كثيرا عن حجة واحدة مقنعة تبرر مطالبة البعض ببقاء اللغة الفرنسية لغة مسيطرة في التعليم والإدارة في بلادنا، ولكني لم أجدها. لم أجد حجة واحدة تمتلك 1% من الوجاهة تشفع لهؤلاء، ولا أظنني سأجدها حتى وإن أطلتُ البحث، فنحن في هذه البلاد لا نحتاج لتعلم اللغة الفرنسية لممارسة شعائرنا الدينية، ولا هي تم ذكرها في دستورنا حتى نلزم بها من الناحية القانونية، ثم إنها ليست لغة الأم لأي مجموعة موريتانية، حتى نبقيها مسيطرة احتراما لتلك المجموعة، هذا فضلا عن كونها ليست لغة مستعمر عُرِف بكرمه وجوده في فترة الاستعمار حتى نجامله بعد الاستقلال بالتمسك بلغته، ففرنسا لم تترك في بلدنا بعد عقود من الاستعمار أي بنية تحتية تذكر، ولا هي في الوقت الحالي تحترم مشاعرنا كمسلمين، ثم إن اللغة الفرنسية ليست لغة المستقبل، حتى يكون التمسك بها مهم لمستقبل هذه البلاد، بل على العكس من ذلك، فمكانتها العالمية تتناقص بشكل سريع، واستمرار التدريس بها سيكون بمثابة سرقة مستقبل أجيال كاملة. فبأي منطق يطلب منا البعض أن نبقي اللغة الفرنسية مسيطرة في التعليم والإدارة في هذه البلاد؟
حقيقة لم أجد أي حجة مقنعة لدى المطالبين ببقاء اللغة الفرنسية مسيطرة في التعليم والإدارة، ولأنه لا حجة يمكن ابتلاعها لدى هؤلاء، ولأنهم يدركون ذلك، فقد لجؤوا إلى مغالطات في منتهى السخافة منها:
ـ اتهام المطالبين بالتمكين للغة العربية وتطوير اللغات الوطنية بتسييس قضية اللغة ومحاولة فرض التعريب.
فمن ذا الذي يسيس قضية اللغة؟ ومن ذا الذي يحاول فرض موقفه؟ ألستم أنتم هم من يحاول فرض موقفكم الذي لم تجدوا له حجة تدعمه، وذلك برفضكم تطبيق مادة من دستوركم الذي تمت المصادقة عليه منذ ثلاثة عقود؟ ألستم أنتم من يرفض وينزعج من رأي الخبراء ومن مخرجات منتديات التعليم في العم 2013، ومخرجات المرحلة الأولى من منديات 2021؟
ومن مغالطاتكم كذلك أنكم تقولون إن تدريس باللغة العربية يهدد الوحدة الوطنية.
فهل المطالبة بتفعيل مادة من مواد الدستور الموريتاني يمكن أن تهدد الوحدة الوطنية؟ وهل المطالبة بتفعيل ترسيم لغة القرآن في بلد مسلم 100% يمكن أن تشكل تهديدا للوحدة الوطنية؟ وهل المطالبة بترقية وتطوير لغاتنا الوطنية يمكن أن تعدُّ تهديدا للوحدة الوطنية؟ وهل صمام الأمان الوحيد لوحدتنا الوطنية في هذه البلاد هو بقاء اللغة الفرنسية مسيطرة في الإدارة والتعليم على حساب لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية؟
إن أخطر ما يهدد وحدتنا الوطنية هو بقاء لغة أجنبية ليست لغة الأم لأي موريتاني مسيطرة في التعليم والإدارة، وعلى حساب لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية.
ومن مغالطاتكم كذلك هو أنه عندما نُطالب بتعريب التعليم و الإدارة يخرج إلينا البعض منكم بسؤال في غاية الاستفزاز يقول: لماذا كل هذا العداء والكره للغة الفرنسية؟
يا هؤلاء نحن ليست لدينا أي عداوة مع اللغة الفرنسية، ولا مع أي لغة أخرى، ومعاداة أي لغة مهما كانت هي فكرة سخيفة جدا، ومتخلفة جدا، وساذجة جدا، فتعلم المزيد من اللغات سيبقى إضافة لصالح من تعلم تلك اللغات. هذه حقيقة وليست محل خلاف أصلا.
نحن ليس لدينا أي عداء مع اللغة الفرنسية، فلتعش اللغة الفرنسية ـ والتي أصبحت تهددها الانجليزية في قعر دارها ـ معززة مكرمة في فرنسا ، ولكن أهل هذه البلاد لهم لغة رسمية ولغات وطنية ولا يمكن أن يلاموا إن طالبوا بأن تحل لغتهم الرسمية ولغاتهم الوطنية محل لغة أجنبية بقت مسيطرة في هذه البلاد لستة عقود بعد الاستقلال، وثلاثة عقود بعد المصادقة على دستور91، والذي لم يأت فيه أي ذكر للغة الفرنسية.
ومن مغالطات القوم أن يأتيك أحدهم بأغبى استنتاج يمكن أن يتوصل إليه شخص راشد يتمتع بقواه العقلية. نعم قد يأتيك أحدهم ليقول لك بأنه يرفض التعريب بحجة أن اللغة العربية ليست هي اللغة الأم لكل الموريتانيين، ناسيا ـ أو متناسيا ـ أنها لغة العبادة لهم جميعا، وذلك في وقت يدعو فيه إلى الفَرْنَسة، مع علمه بأن اللغة الفرنسية ليست لغة أم لأي مكون أو لأي مجموعة موريتانية. فبأي منطق ترفضون اللغة العربية بحجة أنها ليست اللغة الأم لكل الموريتانيين، وتتمسكون في الوقت نفسه باللغة الفرنسية التي هي ليست اللغة الأم لأي مجموعة أو طائفة من الموريتانيين؟
المفارقة الغريبة هنا هي أن بعض رافعي شعار الدفاع عن الطبقات المهمشة لا يستحون من المجاهرة بالتمسك باللغة الفرنسية، ناسين أو متناسين أن التعليم لن يؤدي دوره في الترقية الاجتماعية والحد من الفوارق الطبقية ما دام أبناء تلك الطبقات الهشة يدرسون بلغة أجنبية يحتاج تعلم الحد الأدنى منها توفير دروس خصوصية أو الدراسة في مدارس حرة ذات كلفة عالية.
أختم بالقول بأننا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية لسنا ضد تدريس اللغة الفرنسية في كل مراحل التعليم، ولكننا ضد تدريس المواد بها.
بكلمة واحدة: نعم لتدريس اللغة الفرنسية، ولا للتدريس بها.
حفظ الله موريتانيا...