قال أحد القادة السياسيين في تصريحات نقلتها إحدى منصات التواصل الاجتماعي أن تجربة العامين المنصرمين لم تحقق ما كانوا يطمحون إليه من مشاريع إستراتيجية كبرى ، ومع كامل الاحترام لهذه التصريحات إلا أن كثيرا منها لم يتقيد بالموضوعية، لا في حكمه على المرحلة، ولا بدقته في توصيف مخرجاتها. لذلك أود أن أشير إلى الملاحظات التالية:
لئن كان من المتوقع ألا تتحدث المعارضة عما تم انجازه ، لأن غالبية المتحدثين منها لا يرون من الواقع إلى جانبه الفارغ، فإن من غير المناسب أيضا أن نطالب نظاما لم يمض عليه أكثر من عامين وثلاثة أشهر بأن ينجز ما يستحيل إنجازه في عقد أو أكثر، ليس ذلك من باب إنكار وجود حاجات كثيرة ومطالب عديدة وطموحات كبيرة ما تزال في انتظار أن تتحقق، ويمكن أن تتحقق، ومن المناسب المطالبة بتحقيقها، إنما من باب أن العبرة ليست في أهمية وحجم ما نطلبه أو نحتاج إليه، بقدر أهمية ما يمكن موضوعيا أن يتحقق في فترة محددة.
وإذا نظرنا بميزان الموضوعية إلى قائمة الانجازات التي تحققت أو هي قيد التنفيذ ووضعنا في عين الاعتبار الفترة الزمنية القصيرة، وراعينا الظروف التي واكبتها سواء تعلقت بالموارد الاقتصادية والبشرية أو بتأثيرات جائحة كوفيد19، أم تعلقت بتحديات المنطقة وأولوياتها، لاكتشفنا أن ما تم انجازه كان بحق عملا جديرا بالتنويه والتثمين، يكفي للتدليل عليه أن نذكر من أمثلته : الضمان الصحي لستمائة ألف مواطن ، وتوفير أكثر من عشرين ألف فرصة عمل ، وصرف إعانات مالية منتظمة لصالح قرابة ربع مليون أسرة متعففة، وإقامة بنى تحتية في الطرق (بناء وصيانة) والجسور(جسر روصو وكوبري شارع باماكو والحي الساكن) والعمران (معاهد، مدارس، عمارات إدارية، ومساكن )، ومشاريع تنموية في الزراعة والتنمية الحيوانية والصحة والتعليم..إلخ .
قد يقول قائل ما قيمة الضمان الصحي وتوزيع إعانات مالية، وتشغيل آلاف من الشباب..إلخ؟
والحق أن الفقراء المتعففين الذين لا يجدون ما ينفقون، والشباب المكتوين بنيران البطالة يحسون بأهمية هذه المشاريع ويقدرون قيمتها ومنافعها للناس،وهذا هو المهم، أما الفضوليون والمتنطعون فأهميتها هامشية بالنسبة لهم. لأن القابض على الجمر ليس كالقابض على التمر. .
أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تظل بضاعة سياسية معروضة للدعاية والدعاية المضادة، إنما ينبغي أن تصبح ممارسة إدارية منتظمة تقوم بها الجهات المختصة بهدوء ومهنية وشمولية، وهو ما يجري العمل به حاليا، فمن راجع قوائم أجهزة الرقابة والتفتيش يدرك أن مئات المؤسسات والهيئات والقطاعات خضعت لما تقتضيه إجراءات محاربة الفساد بأسلوب جديد خال من التهريج والترويج. وكذلك فُعِل بمحاربة تزوير الأدوية وفساد الأغذية.
إن الانفتاح السياسي الذي تكرس خلال العامين المنصرمين، والاستعداد المستمر لدى السلطات العليا للتشاور مع جميع الأطراف دون سقوف ولا خطوط حمراء هو إرادة سياسية وممارسة حضارية راسخة لدى رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني تربى عليها وانطلق بها واستمر فيها بكل مسؤولية وجدية، ومن الخطأ أن يظن الظانون الناصعون أو الناطحون أنها جاءت لضرورات عاجلة دفعت إليها أو لأزمة سياسية فرضتها.
إنها هي انعطافة تاريخية يشهدها البلد قيما وأسلوبا ورؤيةُ وممارسة، وسبيلٌ إلى الإصلاح الشامل بهدوء وسكينة، علينا أن نهيئ نفوسنا لتألفها ونحزم أمتعتنا للتكيف معها.