كان أستاذنا لمادة التاريخ في (الصف الثالث اعدادى) يكرر دائما : انه لابد أن يأتي ذالك اليوم الذي يصل فيه إلي السلطة قائد"ملهم " يعمل على تغيير كل رموز السيادة الوطنية بدءا بالعملة والعلم ،وانتهاء بالنشيد الوطني.
و يضيف الأستاذ -الذي كان يستشرف المستقبل بنظرة- تبينا فيما بعد- أنها كانت صادقة و ثاقبة- إن دوامة الانقلابات ،والانقلابات المضادة التي تعيشها موريتانيا ،ستأتي لا محالة يوما برئيس نرجسي مؤمن بذاته إلي حد العبادة ، لا يهتم للجهة ولا للقوم ، هدفه الوحيد ربط حاضر ومستقبل البلاد باسمه من خلال إحداث تغيرات كبيرة، لا يهم إن كانت ايجابية أم سلبية المهم أن تكون شاملة ،وجذرية، وتطال حتى الرموز الوطنية العليا.
كنا في الفصل نعتقد أن هذه الأفكار مجرد تجليات للنظرة التشاؤمية المعهودة لدى مدرسى مادة التاريخ ،لكن الخطوة التي أقدم عليها النظام الحالي بإجراء تغيرات شكلية على قطع العملة المعدنية،وما تلاها من دعوة أحزاب الأغلبية الرئاسية -التي تحاول دائما عقلنة ،وتشريع طموحات الرئيس ،وترجمتها في واقع مقبول- إلي تعديل الدستور، وتغير العلم والنشيد الوطنيين، لم تترك مجالا للشك في صدق تلك التنبؤات .
وتشكل المطالبة بتغيير الرموز الوطنية سابقة خطيرة في تاريخ البلد نظرا لما تمثله من إهانة لهبة الدولة ،ومساس بقدسيتها،الأمر الذي لم تجرأ عليه أكثر الأنظمة المتعاقبة على البلد دكتاتورية ،وتسلطا .
فليس العلم الوطني الذي رفرف عشرات السنين خفاقا على رؤوس الموريتانيين يافطة لمرحلة سياسية معينة، أو لنظام بعينه ،كما أن النشيد الوطني ليس أغنية تنشد لإرضاء الجمهور وإطرابه ، بل هما كم تراكمي من تاريخ البلد ،ووعاء انصهرت فيه أحداث هذا التاريخ وشخوصه بطريقة رمزية رائعة . فماذا سنقول-لو غيرنا هذه الرموز بطريقة الارتجالية التي تمت الدعوة لها - للأجيال المتعاقبة التي دار عليها الزمن وهي تردد النشيد ،وترفع العلم ،وكيف نبرر ذالك لميئات الجنود ممن استشهدوا تحت هذه الراية دفاعا عن الوطن ، وكانت كلمات النشيد الهادفة ،والمعبرة تملأ حناجرهم، وتشعل فيهم جذوة الحماس للذود عنه ،والاستماتة في سبيله؟ ويبقى احترام هذه الرموز، والدفاع عنها مسؤولية الجميع بعيدا عن محاولات "التجديد" المتأصلة في أغلبيتنا المتجددة.