المدرسة الوطنية للإدارة ولجنة المسابقات تتلاعبان بأحلام آلاف العاطلين / امربيه ولد الديد

امربيه ولد الديديعيش مواليد السبعينات في موريتانيا وضعية لا يحسدون عليها في مجالي التعليم والعمل حيث يتملكهم اليأس والإحباط بعد أن ظلمهم التاريخ بمسلسل من السياسات الإصلاحية العرجاء شلت عملية تعليمهم وقطعت الصلة بينها وسوق العمل،

كما لم تنصفهم الجغرافيا التي تمادت في إفشال تلك السياسات المرتجلة بإعطائها أبعادا عرقية، ورغم بصيص الأمل الذي لاح لهم في نهاية نفق كفاح البحث عن العمل المظلم، بعد القرار القاضي بتمديد السن القانونية لولوج الوظيفة العمومية إلي 40 سنة، والذي اعتبر من أهم القرارات التي تم اتخاذها لمعالجة الوضعية الاجتماعية المتردية في موريتانيا. فإن غطرسة المدرسة العليا للصحافة والقضاء واللجنة الوطنية للمسابقات، وجهلهما التام بتراتبية القوانين كان الصخرة التي تحطمت عليها آمال آلاف العاطلين حيث مثل الإعلان عن اقتصار حق المشاركة في المسابقة دخول المدرسة الوطنية للإدارة على 36 سنة آخر مسمار يدق في نعش جيل محتضر منذ سنين. مأساة هذا الجيل ليست وليدة اللحظة إذ بدأت مع إرهاصات السياسة الخاطئة للتعريب التي انتهجتها السلطات الموريتانية بداية السبعينات، تلك السياسة التي عملت على إعداد جيل معرب، بينما تركت الإدارة وسوق العمل مفرنسان، وكأنها تتعمد إقصاء هذا الجيل وتهميشه، فضلا عن تأثيرها الواضح والخطير على الوحدة الوطنية حيث ساهمت إلي حد كبير في تمايز مجتمعين داخل الدولة يتمتع كل منهما بثقافته الصرفة وحتى لغته الرسمية، وذالك من خلال طابع الاختيارية الذي انتهجته بكل غباء وعدم تبصر. ولم تقف العقبات التي واجهت مواليد السبعينات في موريتانيا عند هذا الحد إذ تزامنت الفترة التي تمكن فيها أصحاب الشخصيات الفولاذية والعزائم القوية منهم من مواصلة دراستهم والحصول على شهادات عليا مع تسيب عام في الإدارة الموريتانية والوظيفة العمومية بصفة خاصة أسفر عن اكتتاب عدد كبير من الأطر بالطرق الملتوية،فيما تم تعطيل حق التقاعد الضروري لفتح المجال أمام وافدين جدد إلي الوظيفة. حيث كان للموظفين نصيبهم من غريزة رفض التناوب المعروفة المتأصلة لدى الموريتانيين،فظلوا يمددون دائما فترات عملهم، ويتهربون من الإحالة للمعاش ليزيدوا بذالك من طوابير المنتظرين من الخرجين العاطلين،لكنه انتظار قد لا يطول كثيرا خصوصا وأن السن القانونية لولوج الوظيفة العمومية آنذاك لا تتجاوز 30 سنة، و غالبا يصطدم الطالب بعد تخرجه تعكر حسرة الطالب على تجاوزه هذه السن من فرحة تخرجه، وهكذا يحال المتخرجون مباشرة إلي التقاعد. المحبطون من هذه الوضعية تنفسوا الصعداء بعد إعلان "ولد عبد العزيز" الأخير تمديد السن القانونية لولوج الوظيفة العمومية إلي أربعين سنة، وبدؤوا يعدون الأيام والساعات وحتى الدقائق والثواني حابسين أنفاسهم في انتظار تحقيق حلم العمر الذي راودهم منذ نعومة أظافرهم بالمشاركة في مسابقة اكتتاب تمكنهم من استثمار جهد السنين. وفعلا تم الإعلان عن واحدة من أهم المسابقات في البلد: قضاة، وصحافة، وكتاب ضبط وإداريين.. لكن الرياح جاءت بما لا تشتهى سفن العاطلين، حيث حدد بلاغ المسابقة السن القانونية في 36 سنة ضاربا عرض الحائط بتمديد هذه الفترة من طرف أعلى سلطة في البلد، ذالك أن النظام الداخلي للمدرسة العليا للقضاء والصحافة الذي أعد مؤخرا شدد على أن أعمار الطلاب لدى تخرجهم من المدرسة يجب أن تتجاوز الأربعين. الأمر الذي أثار جدلا كبيرا في الأوساط القانونية الموريتانية لخروجه الصارخ على مبدأ تراتبية القوانين الذي تحتل بموجبه المراسيم الرئاسية المكانة الثانية في السمو بعد القوانين الدستورية، بينما يظل قانون المدرسة العليا للقضاء والصحافة في سلم القوانين الداخلية الضعيفة. ولا شك أن تراجع السلطات الرسمية عن قرار كهذا ومحاولة الالتفاف عليه بمبررات واهية سيزيد الطين بلة، في وقت يعرف فيه البلد حراكا اجتماعيا غير مسبوق، وموجة من الاحتجاجات العارمة تغذيها رياح الثورات التي تجتاح عدة بلدان عربية،فهل ستستمر المدرسة العليا للقضاء والصحافة، واللجنة الوطنية للمسابقات في التطاول على القانون والتلاعب بمصير لعاطلين وغمط حقوقهم متجاهلتين ما يمكن أن ينجر عن ذلك من مخاطر؟ أم أنهما ستتداركان الموقف وتصلحان الغلط بما يضمن سيادة القانون واحترام مشاعر العاطلين في هذا الظرف الدقيق؟.

9. مايو 2011 - 18:11

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا