في الثامن و العشرين من شهر نوفمبر 1960م خرج الموريتانيون عن بكرة أبيهم للتعبير عن فرحتهم
بتحقيق الإستقلال الوطني عن الدولة الفرنسية التي حكمت البلاد و العباد لمدة ستة عقود تقريبًا من الإدارة المباشرة ، فرضت خلالها العديد من السياسات الإستعمارية بهدف السيطرة علي المجتمع و طمس هويته الثقافية و إستنزاف مقدراته الإقتصادية.
و إنصافًا للتاريخ ، فإن هذا الإستقلال لم يأتي صدفة و إنما جاء ثمرة لنضال وطني مرير أتخذ أساليب متعددة ، بدءًا بالمقاومة العسكرية المسلحة التي سطرت ملاحم بطولية دكت فيها العدو في مواقع مشهودة و تواريخ مختلفة، مرورًا بالمقاومة الثقافية التي ضربت مثالًا حيا في التصدي للغزو الثقافي الفرنسي و في المحافظة على ثقافة البلاد و هويتها العربية الإسلامية و الإفريقية ، و إنتهاءا بالنضال السياسي الذي تبنته الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية عندما أكدت علي مطالبها المتمثلة في تطبيق الإصلاحات السياسية عبر ممارسة
حق الإنتخاب و تشكيل المجالس المحلية بموجب دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة قبل أن ترفع سقفها عاليًا بتبني هدف وحيد هو تحقيق الإستقلال التام و فك الإرتباط مع المستعمر .
و نتيجة لهذا النضال فقد أصدرت فرنسا قانون الإطار سنة 1956م ، الذي مكن من تأسيس الجمعية
الإقليمية في شهر مارس1957م و تشكيل حكومة محلية جديدة في مرحلة لاحقة عين المختار ولد
داداه نائبًا لرئيسها في شهر مايو من نفس السنة.
و في سنة 1958م التي شهدت إنعقاد مؤتمر آلاك أتفقت جميع التشكلات السياسية القبلية و العرقية التي حضرت هذا المؤتمر علي توحيد الجبهة الداخلية و دعم
المسار السياسي الذي أفضي إلي تشكيل أول حكومة موريتانية للدولة المستقلة سنة 1960م.
ولا شك أن هذه الذكري بما تحمله من دلالة و رمزية و أعتزاز و فخر بما أنجزه الآباء المؤسسون من تضحيات جسام يحتم علينا اليوم أكثر من أي وقت مضي
السير قدما علي الدرب في المحافظة علي هذه المكتسبات و الدفاع عن كرامة البلاد و عزتها و أمنها و الذود عن وحدتها الوطنية.
في هذا السياق، يأتي تخليد الذكري الواحدة و الستين لعيد الإستقلال الوطني هذا العام في وقت تواجه فيه الدولة الموريتانية تحديات كبيرة علي المستويين الداخلي و الخارجي :
– أولها : التراجع الحاد في معدلات التساقطات المطرية بالنسبة للعديد من المدن الداخلية خلال موسم الخريف المنصرم وهو ما أثر تأثيرًا سلبيًا علي القطاع الريفي بصفة عامة الذي يشكل المصدر الرئيسي لمعيشة الغالبية العظمي من الشعب .
– ثانيا: إستمرار جائحة كوفيد-١٩ في التصاعد علي مستوي العديد من دول العالم رغم التدابير الصحية المتخذة في هذا المجال.
و قد ألقت هذه الوضعية بظلالها علي التجارة البينية و أدت إلي إرتفاع في أسعار السلع الأساسية و طرحت بشكل جدي إمكانية حدوث نقص كبير في إمدادات المواد الغذائية علي المستوي العالمي .
و أمام هذا الوضع يكون من المناسب إغتنام هذه الفرصة للتأكيد علي أهمية التضامن الإجتماعي بين جميع مكونات شعبنا و توحيد الجهود بين القاعدة
و القمة في ظل قيادة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي نراهن عليه جميعًا في حل مشاكل البلد .
و نشد علي يديه في كتابة فصول معركة فاصلة ضد الفقر و الجهل و الغبن و التهميش و تحقيق أمننا
الغذائي الذي هو شرط أساسي للوصول إلي تعزيز إستقلالنا الإقتصادي و سيادة قرارنا السياسي.
و هذا لا يمكن تحقيقه دون تسلح الجميع بالصبر و الإرادة و التحلي بالحكمة المطلوبة ، لأن الشعوب التي لا تجيد التعاطي مع حل مشاكل حاضرها ، لا يمكن أن تكون لها بصمة علي الإطلاق في صناعة مستقبلها.