هوامش حول التشغيل و الزراعة في خطاب عيد الاستقلال / بوبكر أحمد

تابعت كغيري من المواطنين خطاب فخامة رئيس الجمهورية الهام بمناسبة الذكري الواحدة والستين لعيد الاستقلال الوطني، حيث تناول مجالات عديدة و أظهر توفر إرادة سياسية جادة و التزاما قويا بالبرامج التي يجري تنفيذها.

وهو ما دفعنا الي تسطير هوامش سريعة حول بعض ماورد بخصوص مجالي التشغيل والاكتفاء الذاتي: 

المحور الأول: التشغيل

 لا يمكن لأحد إلا أن يثمن عاليا التعهد الغير مسبوق بتوفير 100 ألف فرصة عمل خلال المأمورية الحالية وما تلاه من بذل جهود كبيرة لتحقيقه مما يعكس توفر إرادة سياسية قوية وصادقة في هذا المجال.  

لكننا للأسف الجديد نجد صعوبة كبيرة في تقبل فكرة ان تحشد الدولة كل هذه الجهود من أجل توفير بضعة الآلاف من الوظائف في القطاع الخاص غير المصنف (من دون عقود عمل وبدون تأمين صحي ولا ضمان اجتماعي .... الخ) و إن كنا نعترف انها قد تكون أفضل من لاشي!!. 

ان الطابع الغير مصنف للقطاع الخاص الموريتاني يجعل منه شريكا لا يعول عليه كثيرا في خلق فرص العمل، فهو قطاع ولد بطريقة قيصرية ويحتاج اصلاحا عميقا موازيا هو الآخر.  

إن وجود حوالي مليون شاب لا تزاول أي شي (لا عمل ولا دراسة) يحتم علينا الاعتراف بالأزمة بشكل أكثر صراحة و تصنيف ملف التشغيل ضمن خانة "الكارثة"، كما ينبغي تجاوز التشخيص التقليدي السائد و الذي يرجع سبب البطالة الرئيسي الي عدم ملائمة مخرجات التعليم مع سوق العمل نحو رؤية اكثر شمولية لبقية الأسباب و التي في مقدمتها الطابع غير المصنف للاقتصاد و عجزه الشديد عن انتاج وظائف   .

يجب إعادة التوازن بين العرض و الطلب علي مستوي برامج التشغيل من خلال بلورة مشاريع كبري في ناحية الطلب (خلق الوظائف) بدل التركيز علي العرض (تكوين و تهيئة العاطلين لشغل وظائف غير متوفرة أصلا) .

كما يجب اعادة صياغة جذرية للخطط والتوجهات الاقتصادية بشكل تدريجي و عميق من أجل محاربة الاقتصاد الموازي و تحفيز القطاع الخاص علي التحول نحو التصنيف و الهيكلة مع العمل علي تقليص رقعة القطاع غير المصنف في الاقتصاد الوطني هذا مع توجيه حصة أكبر من ميزانية الاستثمار للقطاعات الانتاجية التي تساعد على خلق فرص عمل بدل المواصلة في استثمارها في تدخلات استعجالية و مشاريع بني تحتية تصنف في خانة " الجدوى الاقتصادية و الاجتماعية الضعيفة " .

المحور الثاني : الاكتفاء الذاتي الزراعي

شكل تأكيد فخامة رئيس الجمهورية " أن مسألة الأمن الغذائي هي مسألة سيادية و ضرورية و أنه لا مناص لنا من تحقيق الاكتفاء الذاتي " دليلا قاطعا علي الرؤية السليمة و استشعار متطلبات المرحلة محليا و عالميا.

لكن يبقي أيضا التساؤل عن إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي عن طريق تدخلات ذات طابع استعجالي – علي أهميتها - مثل (استصلاحات مختصرة لهكتارات aménagement sommaire وبناء سدود وتوزيع المدخلات الزراعية والسياج على المزارعين... الخ) في الوقت الذي  يعاني القطاع من اختلالات هيكلية جوهرية حادة حيث يشكك شركائنا في التنمية في حصيلتنا الزراعية كما  لا تزال غالبية الأراضي الزراعية تخضع لملكية قبلية تقليدية والغالبية العظمي من مزارعينا (94%) أميون غير قادرين علي تعلم تقنيات جديدة كما أن أصحاب التكوين العالي في المجال لا يتجاوزون 0.2% و ثلثا من يتلقون اعانات و تمويلات زراعية إما غير متعلمين أو بالكاد حصلوا علي تعليم ابتدائي بالإضافة الي أن تكويننا الزراعي لا يخرج سوى  15 الي 20 فني ومهندس سنويا هذا مع انعدام  الارشاد و البحث و التغطية المصرفية و غياب التمويل و التأمين و ضعف البني التحتية الريفية و ضآلة الاستثمار ... الخ.

كل ما سبق ذكره دفع البنك الدولي في الصفحة 31 من مذكرته الصادرة مايو 2020 تحت عنوان:" تسريع النمو من خلال التنويع والمدن المنتجة" على التشكيك في مؤشراتنا الزراعية حيث أكد أن التنمية الريفية في موريتانيا تعتمد على معطيات وخطط منقطعة عن الواقع ومثيرة للجدل ومشكوك فيها ولا تستند الي براهين.

إذا من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي يجب تدقيق المعطيات الإحصائية والأرقام التي تصدرها الوزارة عن الانتاج مع إعادة رسم الخطط والسياسات وآليات الدعم بما يضمن الفصل بشكل واضح وصريح بين زراعة الكفاف المعيشية التي تساعد في مكافحة الفقر والهشاشة وبين الزراعة العصرية ذات القيمة المضافة العالية والإنتاجية المرتفعة والتي يمكن أن يعول عليها في تحقيق الاكتفاء الذاتي.

ما سبق يقود الي التفكير في اصلاح الدعم الحكومي للقطاع فإن كان مزارعو الكفاف يحتاجون (مدخلات وسياج ...الخ) لكن الزراعة العصرية -الضامنة للاكتفاء الذاتي- تحتاج حوافز من نوع اخر (اقتناء الآليات، تشييد وحدات تثمين وتخزين، مختبرات بحثية، تحسين جودة المنتج...الخ). 

  كما يجب أيضا اتخاذ قرارات أكثر قوة بخصوص تنظيم القطاع وملكية الأراضي وتوفير التمويل والتأمين وتطوير منظومة البحث والتكوين المهني الزراعي وتأطير الرأس مال البشري الريفي.. الخ مع خلق طبقة وسطي ريفية وإعادة رسم دور الوزارة من اجل التوازن بين المهام التنظيمية والتدخلات العملية الميدانية. 

ختاما

يجدر التنبيه أنه من الصعب جدا تخفيف وطأة البطالة عن طريق القطاع غير المصنف كما يستحيل تحقيق اكتفاء ذاتي وطني عن طريق زراعة الكفاف وهي أمور إن لم نصارح أنفسنا بها لن نستطيع أن نرسم طريقا للمستقبل.

29. نوفمبر 2021 - 10:44

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا