مضت سنتان وزيادة من المأمورية الأولي لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، مما يفتح الباب واسعا لتقيم هذه المرحلة، و معرفة حجم إستفادة المواطن من السياسات المتبعة، و تسليط الضوء على هذا الجانب المضيئ من تنفيذ إستراتيجية النظام في تسيير الحكم.
و يمكن القول أن الاستفادة إلى حد الساعة يطغى عليها البعد المادي و النقدي و التوظيف و التكليف بتسيير القطاعات الحيوية، على حساب مشاريع البنى التحتية، التي يوصف بأنها تسع الجميع و يتمتع بها كل مواطن حسب حاجته، رغم تنفيذ مجموعة من هذه المشاريع لا بأس بها.
أما المستفيدون من المرحلة التي إنقضت من المأمورية، فهم كُثر ، متنوعون ، ويمكن ترتيبهم حسب سجل المستفيدين، على النحو التالي:
أولا/ الطبقات الأكثر هشاسة:
على رأس قائمة المستفيدين من تنفيذ سياسات النظام خلال المنصرم من المأمورية، الطبقات الأكثر ضعفا وفقرا في المجتمع، فقد استفادت من برامج التأمين الصحي ( أكثر من ست مائة ألف مواطن )، و تم توفير مساعدات نقدية شهرية دائمة ( لأكثر من مائة ألف أسرة )، و توزيعات المواد الغذائية، طالت جل هذه الطبقة ( أكثر من مليون مواطن ) و في أماكن شاسعة من الوطن، و ما تخصيص قطع صالحة للسكن في نواكشوط لصالح حراس المباني في تفرغ زينة، و الإعلان عن بناء مدينة من خمسة آلاف مسكن لصالح الطبقات الهشة، إلا خطوة تصب في إستفادة بعض أفراد هذه الطبقة الضعيفة ...
مشاريع كثيرة تم فيها ضخ مبالغ ضخمة لتنفيذها ذهبت لصالح الطبقة الفقيرة، و التي من المعروف أنها طبقة عريضة، و يمكن القول بمحوريتها ،وأهميتها خلال هذه الفترة الزمنية لدي رئيس الجمهورية، وقد إستفادت بشكل ملموس و بَيًنْ . وتأتي على قائمة الأكثر إستفادة.
ثانيا/ الطبقة السياسية:
يأتي الطيف السياسي بجميع مكوناته و ألوانه في المرتبة الثانية على القائمة الأكثر استفادة من النظام، و بدرجات متفاوتة:
1/ اليساريون جناح الحركة الوطنية الديمقراطية ( MND )
بعد أن كانت رأس الحربة في الصراع ضد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، استطاع أعضاء الحركة الوطنية الديمقراطية، حجز الرتبة الأولى من المجموعة الثانية من المستفيدين، من ما مضى من المأمورية، و أن ينالوا ثقة السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بفضل الحنكة و التجربة الطويلة في دهاليس أنظمة سابقة، و بفضل قوة التنظيم، فقد أحكمت سيطرتها على الكثير من مفاصل الدولة الآن ( أعضاء بارزين في الحكومة، قيادات من الصف الأول في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، مناصب سامية عديدة ، داخلية و اقليمية....)، و المتتبع للشأن الوطني يعي تماما قوة وحضور هذه المجموعة السياسية و أنها دفعت قياداتها التارخية للتقلد مناصب سامية و أنها تتحكم الآن في تسيير الكثير من موارد الدولة؛
2/ فلول النظام السابق:
جل الفاعلين السياسيين في نظام محمد ولد عبد العزيز، خلعوا قناع التطبيل و النفاق و مطالبته بخرق الدستور و الترشح لمأمورية ثالثة، و لبسوا ثوب الإخلاص و الدفاع عن السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، و كانوا من أوائل المستفيدين، فتم تعينهم في حكومة ولد الشيخ سيديا ثم حكومة ولد بلال، و على رأس قطاعات حكومية هامة، و تربعوا على الجهاز القيادي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، كل هذا تم رغم مطالبة قاعدة عريضة من المدونين، و المثقفين بوقف تدويرهم؛
3/ حزب عادل:
يلاحظ المراقبون الحضور القوي لأعضاء حزب عادل بعد إندماجهم في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (نائب رئيس الحزب، وزيرة في الحكومة، مفوضة الأمن الغذائي، و بعض الوظائف السامية ... )، و يمكن القول بأن إستفادتهم في ظل هذه الحقبة التي مرت من المأمورية، كانت معتبرة و ماثلة للعيان؛
4/ حزب الرك:
من بين الأكثر استفادة من المرحلة المنصرمة من المأمورية أعضاء حزب الرك و منظمة إيرا، فما ظهر على السطح تمثل في توجيه استثمارات ضخمة عن طريق تآزر و مفوضية الأمن الغذائي إلى أماكن يرى الحزب أنها مهمشة، و توظيف عشرات الأطر من أعضاء الحزب من بينهم مدراء في تآزر و بعض القطاعات الحكومية الأخرى، و الإعتراف الضمني بالحزب و المنظمة،( تغطية الإعلام الرسمي لأنشطتهم ) و المشورة الدائمة في القضايا الوطنية، و يسجل الملاحظ هنا أن أعضاء الحزب و قيادته من بين المستفيدين بدرجة كبيرة من الفترة الماضية؛
5/ المنسحبون من تواصل و التكتل
حظي المنسحبون من تواصل ( خاصة جناح راشدون ) و المنسحبون من حزب التكتل بإهتمام كبير من طرف دوائر سلطة القرار في النظام، وتم منحهم وظائف سامية في ديوان رئيس الجمهورية، و بعض القطاعات الحكومية المهمة، و في هياكل حزب الاتحاد القيادية، بالإضافة إلى إمتيازات استثمارية لرجال أعمالهم. هذه المجموعة إستطاعت تسجيل مكان لها في صدارة لائحة المستفيدين من النظام خلال المرحلة الماضية؛
6/ القوميون العرب
إستفادة البعثيون و الناصريون و خاصة ( جناح الكوري و الخليل) من الكثير من الامتيازات المالية، و تسيير بعض المؤسسات المهمة في البلد و التعيين على رأس مجالس إدارية لمؤسسات عملاقة، و يلاحظ المتتبع لقائمة المستفيدين أنهم موجودون و على اللائحة من الأعلى؛
7/ القوميون الزنوج و الحقوقيين:
الكثير من من يدعون المطالبة بحقوق القومية الزنجية كحزب القوى الوطنية للتغير (صمبا اتيام) ، و بعض الفاعلين من الزنوج، و المطالبين بحقوق شريحتيي لحراطين و لمعلمين، تم التعاطي معهم بشكل إيجابي، و إستفادوا بدورهم من بعض الإمتيازات و إسناد لهم وظائف تسييرية مهمة؛
ثالثا/ حملة الشهادات و الشباب العاطل عن العمل:
حصد حملة الشهادات و الشباب العاطل عن العمل الرتبة الثالثة في لائحة المستفيدين من ما مضي من المأمورية، فتم إكتتاب الآلاف في وزارة التعليم و بعض القطاعات الحكومية الأخرى، و تم تخصيص مبالغ ضخمة من طرف وكالة تآزر و وزارة التشغيل و التكوين المهني لتمويل مشاريع صغيرة و متوسطة مدرة للدخل لصالح الآلاف من هذه الطبقة المهمة، لكن نظرا لحجم هذه الطبقة الكبير و المتزايد، و غياب سياسات سابقة فعالة لإستعابهم، يبقى حجم الإستفادة في حدود المتوسط إلى الضعيف، مما يتطلب الإهتمام بهم أكثر فيما بقي من المأمورية؛
رابعا/ المدونون:
إستفادت مجموع لابأس بها من المدونين، من الإعانات النقدية أساسا، و التوظيف في مناصب مهمة.
خامسا/ الطبقة العمالية:
يمكن القول بأن عمال القطاع العام، و جميع عمال القطاع الخاص لم يستفيدوا إلى حد الساعة، إذا ما إستثنينا الزيادات على رواتب المدرسين و الأطباء و الوعود من وزارة الوظيفة العمومية بأنها عاكفة على قانون يحمي الموظف العمومي ويعيد له الإعتبار.
جاءت هذه الطبقة في ذيل لائحة المستفيدين من ما خلا من المأمورية. بسبب ضعف الاستثمار فيها..
من خلال العرض نلاحظ خلال ما مضى من المأمورية، إنجاز عمل جبار، ذهبت نتيجته إلى جيوب الكثير و الكثير من المواطنين، بمختلف ألوانهم و مشاربهم، لكن العمل على تسويقه ضاع بين طبقات مسحوقة في الأصل صوتها في الغالب خافت، و طبقات سياسية كتومة لا تبدي إلا الحاجة و طلب المزيد، و إعلام غير قادر على مسايرة التطور الإعلامي الهائل و المتسارع، عوامل ساهمت في ضياع الاستفادة من تسويق إنجازات عظيمة و إستثمارات بالمليارات في مشاريع شتى إنعكاست إيجابا على طبقات عريضة من المجتمع.