في كثير من الأحيان تتصدر بعض الأحزاب السياسية الواجهة في العمل الخيري بينما تفشل فشلا ذريعا حينما يتعلق الأمر بتسيير الاقتصاد ؟! .
وفي العالم من حولنا لا يشتهر الرؤساء بالعمل الخيري إلا حينما يغادرون مناصبهم السياسية .
إن العلاقة بين العمل الخيري والنماء الاقتصادي ليست بالتأكيد ترادفية ولا هي تصادمية فهناك خيوط ناظمة بين المسارين كما أن هناك فوارقا .
وسأحاول بإيجاز قدر الإمكان تسليط الضوء على الفرق بين الاتجاهين الذي أُراه أقرب ما يكون للفرق بين الهبة و أداء الحقوق.
فإن للسائل - كما هو معلوم - حقا مهما كان حاله وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ كما في الأثر ، من ما يعني تصديقه في دعواه وإن ظهر منه عكس ما أظهر .
ثم إن الأمر يختلف تماما حينما يتعلق بأصحاب الحقوق فلا بد من التحري والبينة.
إن فكرة محاربة الفقر في بلادنا في أغلبها تقوم أساسا على فكرة العمل الخيري وليست على السياسة التنموية بأبعادها المختلفة.
فالدولة ينبغي أن يكون لها دور يختلف عن دور المنظمات الخيرية والخيرين من رجال الأعمال .
وأبرز وسم لذلك الدور يمكن اختصاره في تحفيز الناس على العمل والانتاج وليس في التعامل معهم كعَجزة قهرتهم ظروف طارئة كالكوارث الوبائية أوالسيول أو الجفاف !
إن إحصاء الفقراء على معيار الفقر فقط غير مجد في رسم سياسية تنموية.
وبما أن وسائل الدولة محدودة جدا فلا بد من مراجعة تصنيف الفقراء بعيدا عن إكراهات العواطف !
ومن وجهة نظري فإن من أسباب فشل أغلب السياسات التي اتخذت في محاربة الفقر فلم تؤت أكلها كما كان متوقعا الغياب الحاد لعامل التحفيز لمؤشر الإنتاج عند المواطن الفقير .
فأغلب العاملين مثلا في الشرطة و التعليم والنظافة وباعة النعناع والكسكس فقراء على حد جميع التعريفات الفقهية والقانونية ، وهم مع ذلك منتجون فتحفيزهم أولى لأنه سيجشع طاقات خاملة على الانبعاث و الفاعلية.
فإلى متى يكون المتسول في الشوارع أكثر تصدرا واستفادة من مشاريع الدعم الحكومية من بائعي النظارات أو الخبز أو ماسح الأحذية الذين يجوبون الطرق يتصبب جبينهم عرقا بحثا عن غلة يوفرون بها ما يتكففون به عن الناس ؟!
وكيف لنا أن نتصور فاعلية توفير قطع أرضية بالمجان في العاصمة لحراس الميسورين.. الم يكن من السهل أن تفرض عليهم الدولة قوانين الشغل المعمول بها ، فتشرف على إبرام عقود بينهم يمنح بموجبها الحراس حقوقهم تامة غير منقوصة من رواتب وتأمين صحي بدل من أن يحفز الناس من حيث لا نشعر إلى احتلال الأراضي أو حتى استغلال استعمارها آنيا لأجل تسجيل قد يرجع عليهم بفوائد لحظية لكنه لا ينهي قضية ولن يحل مشكلا ؟!
ومن تلك المفارقات ذالك المنمي الذي يمتلك آلاف الرؤوس من الحيوانات ، وحينما ينحبس المطر شهرا يصنف على أنه من أفقر الفقراء تقدم له المساعدات العاجلة ، فهذا الصنف من التقييم بلا شك لا ينبغي اعتماده من دولة تتخذ مسؤوليتها في الوقت المناسب ، فمثل هؤلاء الملاك ينبغي دمجهم في دورات تكوينية عن كيفية استغلال ثرواتهم الهائلة قبل أن يكونوا عالة على الدولة أو المجتمع .
هذا وإن وجدت مشاريع تنموية - كما هو الحال دائما ولله الحمد - تعزز من القدرة الانتاجية لبعض الفقراء فإنها في الغالب للأسف يستفيد منها أناس ليست لهم تجارب ذاتية تأكد على جاهزيتهم لاستغلال أمثل لتلك الفرص .
وعلى اعتبار ما سبق فإن التصنيف الأمثل للفقراء ينبغي أن يكون على درجتين فقير نشط ، وفقير خامل ، و الأولوية بالنسبة للدولة في مشاريعها التنموية ينبغي أن تكون للفقير النشط وليس للخامل ..
فوتيرة التنمية لا يمكن أن تسير بالواقفين ، وإن لهذا التصنيف لمستندا أصيلا في تراثنا الأثير ففي المثل " الباكَي لا يبكَيك " ، وحينما تنجح الدولة في دفع هذا الصنف ، فإن سريان النشاط سينبعث في الجزء الراكد .
وهكذا نكون قد بدأنا المشوار .