الشباب مرتكز الأمة ؛ عماد نهضتها وعنوان تنميتها..بانى حاضرها وصانع مستقبلها ، ولاشك أن هذه المعاني والدلالات فى تجلياتها الفكرية والثقافية والعلمية والإبداعية ، تستدعى الإعداد الأمثل لهذه الشريحة المحورية من خلال تسليحها بالعلم والمعرفة ، وتحصينها بالوعي والتربية وإشراكها في وضع التصورات والاستراتيجيات التنموية ، والبرامج والرؤى والأجندات المستقبلية لتوجيه طاقاتها وقدراتها نحو البناء والتنمية ، وصرفها عن الانجراف فى مهاوى الغلو والتطرف ، وصدها عن الانحراف فى مزالق الصراع و الفتنة.
إن الشباب مدعو فى هذه المرحلة للمشاركة بقوة فى عملية التغيير المجتمعي ، من خلال الانخراط الفعال فى العمل السياسي الجاد والإنجاز التنموي الواعد ؛ تصورا وتخطيطا وتنفيذا ، لأن البلد بحاجة إلى طموح الشباب المندفع نحو التغيير ، ورغبته الجامحة فى جودة الحكامة وحسن التسيير ؛ فى ظل قيادة عاقدة العزم على تأسيس أسلوب رصين ومنهج متين لبناء دولة وطنية مدنية على أسس ديمقراطية تنموية حضارية جامعة.
فمشاركة الشباب فى قضايا الشأن العام وصناعة القرار والتخطيط والاستشراف ، وجهود التنمية والعملية السياسية باتت ضرورة ملحة ؛ بوصفه المكونة الاجتماعية المهيأة ديموغرافيا وإديولوجيا والجاهزة ذهنيا وفيزيولوجيا ؛ لتشبثه بمبادئ الفتوة والاستقامة والقوة ، وتمثله لقيم البذل والعطاء والتضحية التى تشكل وقود النجاح.
لابد من مقاربة حكومية غير تقليدية ، تتغيا وتنطلق من ضرورة مراعاة مختلف الحاجات المستجدة لشباب عصرنا الراهن ؛ عصر القريةالكونية والمد العولمي العابر للحدود والقارات ؛ لإعداده وتأهيله وتسليحه بالعلم والمعرفة ؛ سبيلا إلى بناء وصقل الشخصية الشبابية وإكسابها المهارات والخبرات العلمية والعملية وتنمية مداركها العقلية ، وفقا لمقاربة تفاعلية ؛ وذلك لضمان تكيفها المتوازن مع المستجدات التقنية والتكنولوجية والأزمات القيمية والأخلاقية حتى لاتتحول - لا قدر الله- من أدوات بناء إلى معاول هدم.
ونحتاج إلى استراتيجية إعلامية لمواجهة الانحراف الفكري والسلوكي لدى الشباب ، وتدركون جميعا التأثير البالغ للرسالة الإعلامية والاتصالية بكافة قنواتها ووسائلها التقليدية والجديدة ، ومحورية الدور الذى تلعبه وسائط التواصل الاجتماعي فى تشويش الوعي وتزييف الواقع ، وخلق هالة خيالية عبر العوالم الافتراضية بفضاءاتها المفتوحة ومنابرها المتعددة ؛ مما يستوجب الارتقاء بمشهدنا الإعلامي لمواكبة هذه الظاهرة وخلق مناعة فكرية عن طريق إنتاج محتويات ومضامين رقمية ؛ تعكس الأصالة والعمق والرصانة وتصون الهوية والخصوصية الحضارية.
ويتطلب ذلك من الجميع المساهمة فى ملإ الفراغ الفكري والوجداني ، والتصدى الحازم لمداخل الغلو والتطرف ، ومنازع الرفض والحقد ومواجهة الميوعة السياسية والخطاب التحريضي السمج ؛ وذلك من خلال البرامج والمقاربات العلمية والمعرفية والاستعانة بأهل الشأن والاختصاص وكل من لهم صلة بقضايا الأمن الفكري ؛ على مستوى الأسرة والمجتمع والدولة وكل مراكز ومؤسسات ومحاضن الإعلام والتعليم والتربية.
فنحن فى حاجة ماسة وضرورة حاقة إلى تضافر جهود الهيئات الحكوميةوالسياسية ، والفعاليات الثقافية والاجتماعية والمنابر العلمية والأكاديمية والمؤسسات الإعلامية والتربوية ؛ بغية صياغة رؤية موحدة وبلورة مقاربة ناجعة لتحصين شبابنا من الانزلاق فى مهاوى الفشل والفتنة ، من خلال الإقلاع المتدرج والعبور الآمن إلى ضفة التآز والتآخي والمشاركة البناءة فى مستقبل الحكامة والتنمية .
ونحتاج فى الوقت ذاته إلى التأسيس لنهج جديد فى الحكامة ، قائم على إشراك الشباب فى التسيير والإدارة وتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة لإشاعة قيم النزاهة والشفافية والكفاءة المهنية فى إدارة المصادر البشرية وتسيير الموارد المالية ، و البحث عن الخبرة والكفاءة ، والقطيعة مع ممارسات الفساد و الزبونية والمحسوبية ، والحث الدائم على التسيير العقلاني الراشد للثروات والموارد العمومية ؛ الموجهة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الرفاهية للمواطنين ؛ بوصفهم الثروة الحقيقية ووسيلة التنمية وغايتها.
وفى هذا السياق يتعين فى رأيى انتهاج استراتيجية وقائية استباقية ؛ من خلال تفعيل أجهزة الرقابة ومتابعتها وتكثيف بعثات التفتيش ومضاعفتها ، فضلا عن ضرورة اتباع مقاربة جديدة فى التعيينات ؛ عمادها تكليف الأطر الأكفاء الذين هم " مظنة للإصلاح " وإقصاء أو إعفاء " أصحاب السوابق" فى سوء التسيير ونهب المال العام.
ولايساورنى أدنى شك بأن محاربة الفساد خيار استراتيجي فى برنامج الرئيس ومشروعه السياسي والمجتمعي ؛ وهو قرار حازم وحاسم ونابع من إرادة صادقة وصارمة ، غير أنى فى المقابل على يقين بأنه فى ظل غياب قيم الحكامة الجيدة وحسن التسيير ، فلامعنى للحديث عن البناء والتنمية والتعمير ، فلاتنمية بدون تسيير مسؤول وشفاف يضمن مصداقية وفعالية ونجاعة أداء المرفق العمومي ، ويكفل ترجمة السياسات والاستراتيجيات الحكومية إلى مشاريع وبرامج ميدانية ملموسة ؛ تستجيب لأفق انتظار المواطن المتشوف والمتعطش لتلبية حاجاته الخدمية الآنية وتطلعاته التنموية المستقبلية.