لا يمكن تصور استمرارية للحياة على الإطلاق بدون التعليم يبدو هذا بديهيا لكن كيف للتعليم نفسه أن يستمر في أداء هذه الوظيفة الحيوية وكيف له إن أنزلناه على واقعنا أن يتطور ليستجيب لمتطلبات شعوب منطقة الساحل وكيف له أن يساهم في تحصيننا من كل الشرور قديمها وحديثها وكيف له أن يكون أداة وقاية وعلاج لكل أنواع الانحراف السلوكي والفكري.
إننا في القارة الإفريقية عموما ومنطقة الساحل خصوصا بحاجة ملحة إلى تعليم ابتدائي يستوعب كل أطفالنا ومتوفر بالقرب منهم تعليم هادف وناجع تربويا يهذب النفوس مدنيا ويغرس قيم المواطنة تعليم يراعي تنوع الثقافات في المجتمع الواحد ويسهر على صهرها في بوتقة واحدة تعليم ابتدائي هو عبارة عن مدرسة توجه السلوك من خلال مختصين وتنمي المواهب من خلال منافسات دورية ثابتة مدرسة تدمج الأنشطة الثقافية والرياضية في برنامج موازي للمنهج التعليمي مدرسة توفر للطفل الفقير وهو حال معظم أطفال الريف في الساحل والهامش في المدن الكبرى وجبة أو اثنتين من الوجبات اليومية والأهم مدرسة توفر له تعليم جيد يتطلع به معلمون أكفاء.
إن الجهد المخلص الذي بذلته موريتانيا ممثلة في رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في تبني قادة دول الساحل للمقاربة التعليمية كجزء أساسي من مقاربات تنمية المنطقة واستقرارها يذكر ويشكر وهو تفكير استراتيجي يعتبر مبعث أمل لغد مشرق ومستقبل واعد للأجيال الحالية واللاحقة في المنطقة وهو ترجمة لما يقام به على المستوى الوطني من إصلاح تعليمي جوهري حصيف ورصين يجب أن تستخلص منه هذه القمة دروسا ونماذج ستشكل دون شك أحسن المنطلقات نحو تبوء التعليم في بلدان الساحل مكانته كفاعل أساسي في التنمية إن اتبعت بإنشاء هيئة مشتركة مختصة في تطوير التعليم من خلال المساهمة في التكوين المستمر للمدرسين وتبادل الخبرات والتجارب وكذلك صندوق لدعم تطوير التعليم في دول الساحل.
إن تحقيق الغاية من وراء قمة التعليم الأولى من نوعها في نواكشوط لن يكون بدون تضافر إرادة قادة وحكومات منطقة الساحل وهو ما تعبر عنه بصدق القمة ذاتها ونترقبه في بيانها ومخرجاتها التي لن يكتب له النجاح من دون مساهمة الشركاء الدوليين من مانحين ومنظمات دولية والدول الغنية والصديقة حول العالم و الشركات العالمية العابرة للقارات والهيئات غير ربحية لكبار أثرياء العالم والمنظمات الخيرية والمجتمع المدني في العالم ورجال أعمال المنطقة ومجتمعها المدني ودعمهم المطلق لهذا الجهد الكبير المنتظر وهدفه النبيل ومواكبته فنيا وتمويله ماليا.
إن الاستثمار في التعليم هو استثمار ناجح في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمن والاستقرار وهو ما تدعو له هذه القمة التي هي تعبير جلي عن النظرة الثاقبة التي يتحلى بها قادة مجموعة الساحل والتزامهم المشترك بتحقيق التنمية والأمن في المنطقة وهو ما يعول عليه بعد توفيق الله عز وجل في درء شبح الإرهاب الذي يسعى لتفكك النسيج الاجتماعي في هذه الدول في مسعى غير موفق بإذن الله لتفكيك كيان الدولة في كل بلد باستخدام الشباب اليائس الغير متعلم لتنفيذ أجندة التخريب والتدمير.
نعم الخير كله في الشباب إذا أحسنت الدولة والمجتمع تدبير مستقبله من خلال التعليم الجيد الهادف الناجع والشر كله في الشباب إذا ظلت المنظومة التعليمية مهمشة من طرف حكومات المنطقة وتتذيل وقوائم ميزانياتها.
إن التعليم هو ترياق الحياة والتنمية في بلدان الساحل والسلاح الفتاك في معركتها ضد التطرف.