في سابقة من نوعها في تاريخ موريتانيا وربما العالم أعلنت السلطات عن خطة لتحديد أماكن قبور الموريتانيين الذين ماتوا في ظروف غامضة منذ استقلال البلاد وحتى الآن ،وهي خطوة سارع "المباركون" والمطبلون الي مباركتها وتثمينها، بوصفها تمثل قمة التسامح والتطلع الي مستقبل مشرق تذوب فيه الحساسيات، وتختفي الضغائن والأحقاد بين مكونات المجتمع.
وقد نسي هؤلاء أو تناسوا ما قد يولده تحديد قبور من قتلوا بدم بارد من إخوتنا الزنوج في اخطر تصفيات عرقية عرفتها البلاد من مخاطر على السلم الاجتماعي المنشود، خاصة بعد "سياسة المصالحة"، وإقامة صلاة الغائب على أرواح الضحايا وتعويض ذويهم في محاولة لطي تلك الصفحة المشينة من تاريخنا، فكيف بنا اليوم نقوض تلك السياسات بمحاولة إثارة الموضوع من جديد بطرية قد تثير الكثيرة من الأسئلة حول الظروف والملابسات التي اكتنفت تلك الاغتيالات وحتى الطريقة التي تمت بها.
ولاشك ان الزنوج ليسوا وحدهم من مات في ظروف غامضة من أبناء البلد منذ إعلان الدولة حتى اليوم حيث سجلت عدة حالات غاية في الغموض بدءا من حادثة اغتيال "ولد عبيد" التي ما تزال حتى الآن تشكل لغزا لم تستطع عاديات الزمن فك طلاسمه وإظهار حقيقته، مرورا باختفاء طائرة رئيس الوزراء "أحمد ولد بوسيف" في البحر قبالة السواحل السنغالية، وأماكن دفن قادة محاولة 16 مارس الانقلابية ، وانتهاء باختفاء والي نواذيبو ورفاقه في رحلة من نواذيبو الي ازويرات التي حول لها بعد رفضه تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية سنة 1992 .
ويعتقد ذوو الضحايا أن معرفة ظروف اغتيالهم، وتحديد المسؤولين عنه تبقى أهم من نبش قبورهم، وإعداد خريطة توبوغرافية بها. ومن الغريب ان النظام في الوقت الذي يسعى فيه الي ترسيم أماكن دفن الأموات يرفض اطلاع مواطنين على وضعية ذويهم الأحياء وتحديد أمكان سجنهم كما هو الحال مع 13 سجينا سلفيا تم نقلهم قبل أيام من السجن المركزي الي وجهة مجهولة، كما يتجاهل الدعوات المتكررة لأسرة رجل الأعمال الموريتاني ومرشح الرئاسيات "رشيد مصطفى" بمساعدتها في كشف مصيره مما يوحي بتميز وبعدم جدية في الموضوع . ومادامت حقوق الحي أهم وأولى من حقوق الميت، فكيف يثقل "ولد عبد العزيز "كاهل مواطنيه الأحياء -خصوصا من الفقراء الذين أعلن نفسه رئيسا لهم- بالارتفاعات الجنونية للأسعار، وضعف القوة الشرائية، وتفشى البطالة، دون ان يستمع لأناتهم، ويهتم لأموات انقطعوا من الدنيا، أم أن الفقراء الذين أعلن نفسه رئيسا لهم قد هلكوا بفعل الأوضاع السالفة الذكر فتحول معهم إلي رئيس للأموات؟