أعادت انتخابات تجديد ثلث مجلس الشيوخ الأخيرة إلي الأذهان قضية المعارضة الموريتانية التي تدور في حلقة مفرغة منذ دخولها المعترك السياسي بصفة علنية، ونضالها كمعارضة دستورية.ولعل فشل المعارضة الموريتانية في هذه المهمة يعود لعدة أسباب منها :
أولا-عدم الاستقرار السياسي وسيطرة ثقافة الانقلابات على المشهد الموريتاني في ظل غياب التبادل السلمي والسلس على السلطة ،فمنذ إعلان الديمقراطية1991 كان الرئيس هو من يرشح نفسه ويفوز في الانتخابات باستثناء تجربة المجلس الأعلى للدولة التي قبل فيها ولد محمد فال عدم ترشيح نفسه لانتخابات ،غير أن مقربيه من قادة الانقلاب على ولد الطايع تبنوا المرشح سيد ولد الشيخ عبد الله ، وقدموا له الدعم ليكون اول رئيس يفوز في الانتخابات من خارج القصر حيث استمر في السلطة إلي أن أطاحوا به في انقلاب ابيض في السادس من أغسطس 2008 . هذه الدوامة من الانقلابات و الانقلابات المضادة، و تحكم الأنظمة في نتائج الانتخابات تجعل من الصعوبة بمكان على مجتمع تررع في ظل الإدارة الاستعمارية التي تحكم السلطة فيها بيد من حديد،وشب في عهد الأنظمة الاستثنائية المتجبرة أن يثق في الديمقراطية ،وما تفرزه صناديق الاقتراع. ثانيا –عدم الاهتمام بالانتخابات البلدية من الأخطاء التي كثيرا ما ترتكبها المعارضة ،والتي كانت السبب وراء الخيانة الدائمة لمستشاريها في انتخابات الشيوخ عدم التركيز على الانتخابات البلدية حيث تقوم غالبا بترشيح المستشارين والعمد من "المؤلفة قلوبهم" الجدد على معارضة النظام .في محاولة منها لإغرائهم ،و تعزيز مكانتهم بين صفوفها،لكن التجربة أثبتت أن هؤلاء المستشارين غير مقتنعين بشيء وانما يتحينون الفرصة لبيع أصواتهم دون تردد أو خجل ،ولا تقف مساوئ الطريقة الارتجالية في اختيار المستشارين عند هذا الحد بل تتجاوزه إلي إغضاب المناضلين الأصليين وغالبا ما تتسبب في تجميد عضوياتهم و انسحابهم نهائيا من أحزابهم . ثالثا –سرعة تقبل هذه المعارضة وترحيبها بكل قادم من الجهة الأخرى مهما كان ماضيه السياسي والنضالى،وتعيينه في المراكز القيادية في أحزابها ،مما يسهل على السلطة مستقبلا تفكيك هذه الأحزاب وتقسيمها متى أرادت حيث أن دافع الوافدين الجدد في اغلب الأحيان إلى المعارضة هو عدم حصولهم على منافع شخصية ،وبالتالي يبقون في المعارضة إلي أن يتلقون ابسط إشارة لإغرائهم من طرف الأغلبية،وهكذا تحولت المعارضة بالنسبة لبعض المسؤولين إلي فترة للتربص وانتظار الدور في الموالاة . وتبدو المعارضة الموريتانية اليوم في أمس الحاجة إلي إعادة ترتيب بيتها من الداخل ، على أساس الماضي النضالي والتضحيات الحزبية لمنتسبيها ،بدلا من إغراء آخرين تائهين بمناصبها. وعلى المعارضين كذالك أن يتمتعوا بنفس نضالي طويل فالمطبات السابقة لن تزول من طريقهم ابدا، ما لم يتم تبادل سلمي على السلطة، وذالك ما لا يلوح في الأفق المنظور .