يعرف التراث بأنه الحاضنة التاريخية للشعوب على إختلافها ، و هو ما يمنحها هويتها المميزة ، و يشكل في الوقت ذاته ، الدليل الذي يمكن للإنسان من خلاله تفسير الحاضر و حل مشكلاته و الإستعداد للمشاركة في صنع المستقبل .
و يرى الدكتور محمد عابد الجابري «أن الإنسان يرتبط إرتباطا و ثيقا بالتراث مثل إرتباطه بالحياة العامة ».
فمن خلال التراث يستطيع الإنسان التعامل مع الأشياء المحيطة به ، و يستمد منه القدرة على التفكير لأن الحاضر لا يمكن أن ينفصل عن الماضي ، و علاقة الإنسان بالتراث تنمو يوما بعد يوم ، لأن هذا الأخير هو جزء هام من الوعي الاجتماعى و الأدبى و العلمى و السياسي .
و إنطلاقا من هذه الحقيقة فإن سعي أي دولة لإمتلاك ناصية العلم و التكنولوجيا الحديثة الضرورية للتطور ، لا يجب أن يمنعها من الحفاظ على تراثها و أصالتها و عاداتها و تقاليدها .
و بناء عليه ، فقد حظيت حماية التراث و تطويره في موريتانيا بعناية كبيرة ضمن برنامج تعهدات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من خلال رزمة إصلاحات شملت :
⁃ إعادة الإعتبار للمنظومة القيمية للبلاد
⁃ تشجيع الإبداع الفني و الثقافي
⁃ تثمين دور المسرح و السينما و الفنون التشكيلية من أجل إدماجها في النسيج الإقتصادي للبلد ،
⁃ ترقية قطاع الصناعة التقليدية من خلال إعداد الإطار المؤسسي و توفير الموارد الضرورية للنهوض به .
⁃ تشجيع السياحة الثقافية عبر تفعيل الدور الإقتصادى لمهرجان مدائن التراث و تبنى سياسة تشاركية واضحة بين الدولة و شركائها في التنمية و القطاع الخاص تستهدف إنجاز مشاريع تنموية ثقافية متناغمة مع المحيط الطبيعى و الثقافى لهذه المدن.
⁃ و لتجسيد هذه التعهدات على أرض الواقع فقد حظيت النسخة العاشرة من مهرجان مدائن التراث هذه السنة في وادان بدعم معتبر من الدولة ، حيث تجاوز الغلاف المخصص لتنمية المدينة ما يربو على ثلاث مليارات أوقية قديمة تستهدف إنجاز مشاريع تنموية مختلفة تشمل الصحة و التعليم و المياه والكهرباء ومنشآت شبابية ورياضية و غيرها …
كما تم اعتماد إستيراتيجية انفتاح جديدة على العالم الخارجي من خلال تخصيص خيمة دبلوماسية في أجنحة المهرجان هذا العام احتضنت العديد من سفراء الدول العربية و الإسلامية الشقيقة و ممثلي البعثات الدبلوماسية و الهيئات الدولية الصديقة المقيمة قي موريتانيا ، و ذلك في مسعى لإعطاء زخم أكبر لتراثنا الوطني و التعريف به في جميع بقاع العالم .
و بما أن مسؤولية حفظ التراث و تثمينه هي في المحصلة النهائية مسؤولية و طنية جامعة لكل الموريتانيين فإنه يتعين علينا جميعا الإلتفاف حول رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني و مساندته في تحقيق هذا الهدف .
و هذا لن يكون الا بمشاركتنا في تمويل الصندوق الوطني للتنمية الثقافية الذي أصبح اليوم ضرورة ملحة لا يمكن الإستغناء عنها .
فى هذا السياق يتعين على الدولة و شرگائها فى التنمية و كل الدول العربية و الإسلامية الشقيقة التي نتقاسم معها موروثنا الحضاري و جميع الفاعلين الإقتصاديين الوطنيين الإسهام بشكل فاعل في تمويل هذا الصندوق ، وذلك من أجل كسب رهان التنمية و تمكين موريتانيا من إسترجاع تحكمها في سياساتها الثقافية.
و الخلاصة أن التنمية الثقافية في بلادنا لا يمكن أن تتم دون تحقيق سياسة ثقافية تطال كل الحياة الإجتماعية و السياسية و الإعلامية و البيئية .
ولا شك أن المقاربة التي تبناها رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في خطابه في وادان و المتمثلة في التأكيد على محورية دور الثقافة في الإستقلالية في الرأي و التماسك الإجتماعي و صيانة الوحدة الوطنية بين جميع مكونات شعبنا يؤكد مرة أخرى على إيمانه الراسخ بقيم التسامح و التآلف و التعاضد و قبول الآخر التي تحث عليها تعاليم ديننا الإسلامي ، و هي مميزات كافية للدلالة على أن الرجل مؤتمن على تراث الأمة