"ولقد أن الاوان أن نطهر موروثنا الثقافي من رواسب ذلك الظلم الشنيع وأن نتخلص نهائيا من تلك الأحكام المسبقة والصور النمطية التي تناقض الحقيقة وتصادم قواعد الشرع والقانون وتضعف اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية وتعيق تطور العقليات وفق ما تقتضيه مفاهيم الدولة و القانون والمواطنة".
رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني
مما لا شك فيه مطلقا أن خطاب فخامة رئيس الجمهورية في "ودان" جاء سابقة على المنابر السياسية منذ الاستقلال وأخرى على منابر الفكر في مهرجان "مدائن التراث" الذي استضافت هذا العام نسخته مدينة ودان. وهو الخطاب الذي هز قواعد تنظيمه وأحال إلى مراجعتها حتى تأخذ التظاهرة نسقا علميا وتنمويا جديدين يقضيان بمراجعة المحتوى وأساليب التعاطي للاستجابة لمتطلبات المسار العام للبلد ثقافيا واجتماعيا وتنمويا وسياسيا.
ولما أن النسخ الماضية كانت في رتابة التشابه من حيث الارتجالية وضعف وضبابية الفقرات ومحتوياتها الفاترة بعيدا عن إبراز الوجه التاريخي العظيم والتراثي البديع للمدينة العريقة، على خلفية تعريض كنوزها ـ من المعمار والآثار والمخطوطات ـ لكل أصناف التلويث التي من أخطرها:
ـ نشر بقايا "حضارة الاستهلاك" من فضلات السجاير وعلب المشروبات الفارغة المصنوعة من المعادن والبلاستيك وغيرها، وكذلك التي تحمل من ضمن مركباتها مواد كيميائية ضارة أقلها يعين على تحليل تربة وحشائش ربط الحجارة بينها في البنايات التي تحدت بالصمود وإرادة ورثتها القرونَ وعاديات الزمن،
ـ تلويث وهز الأساسات بالأصوات الصاخبة الصادرة عن المركبات بأنواعها، والأخرى على شكل الذبذبات المنبعثة من مكبرات الأصوات ومن وقع وطئ المجموعات من الناس السائرة في وقت واحد.
ـ ونفث الأنفاس على المخطوطات وملامسة الأيدي التي قد أضعفتها من قبل أيادي الطلاب والباحثين والمؤلفين وكذلك القرون وعوادي الزمن،
فإن ربطه في خطابه، الذي ما سبقه إليه غيره في مثل هذا الحدث وأمام السلك الدبلوماسي الحاضر، دورَ علماء ودان بدور فئات ساكنتها الآخرين الذين تولوا بناءها وقيامها وأمنوا لها وسائل البقاء كان ثورة على :
ـ "الصمت" الظالم المطبق حولها طيلة كل النسخ السابقة،
ـ و"الغمط" المتعمد لحقوق هذه الفئات ومكانتها المرموقة،
حيث جاء في الخطاب : "لقد استطاعت هذه المدينة على مدى حقب متتالية أن تكون مركزا اقتصاديا نشطا وجسرا واصلا شمال إفريقيا بجنوب الصحراء الكبرى ومصدر إشعاع حضاري واسع الانتشار بفضل عبقرية علمائها وعلو هممهم وغزارة علمهم وكذلك بفضل القدرات الإبداعية الفائقة لأبنائها القائمين على مختلف الخدمات من صناعة تقليدية وتنمية حيوانية أو زراعية وتشييد عمراني وغير ذلك".
وفي خطاب رئيس الجمهورية فقرة أخرى أفصحت عن إرادة تغيير "النظرة" الجامدة إلى هذا المهرجان ومراجعة اهتماماته لتشمل "البعد التنموي" الغائب بتاتا لصالحها ومحيطها. وهي فقرة تستحق التثمين حيث ربطت المهرجان بقيام بنى تحتية حيث جاء فيه:
"يهدف هذا المهرجان إلى الاحتفاء بتراثنا وترقية مدائنه ودعمها بالمشاريع التنموية تثبيتا للساكنة في مواطنها وتحفيزا للصناعات الثقافية والتراثية، وقد كنت التزمت في مدينة "شنقيط" وكذلك في مدينة "ودان" بالعمل على ألا يتحول هذا المهرجان إلى هدف في حد ذاته ينتهي أثره بانتهاء فعالياته ".
ولا شك أن هذه الفقرة من الخطاب تصلح أن تكون إشارة قوية وبالغة الأهمية إلى انطلاق "قطب سياحي شامل" حيوي على غرار قطب الثروة الحيوانية ـ الذي أعطى إشارة انطلاقه العام المنصرم من مدينة "تمبدغة" بولاية "الحوض الشرقي" ـ وأقطاب تقوم هي الأخرى للثروة البحرية والزراعية والمعدنية وواحات النخيل.