ليس عند الله شعب أفضل من شعب بالفطرة، بل الأفضلية لا تكون إلا بالتقوى والعمل الصالح، حيث قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13) وقال صلى الله عليه وسلم (أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى).
كما أن القوانين الوضعية في الدولة الموريتانية المستمدة من الشريعة الإسلامية تكرس المساواة، وتجرم أي فعل أو قول يكتسي طابع التمييز على أساس عنصري، غير أنه رغم وضوح هذه البراهين قوية المبنى والمعنى، فإن ذلك لم يمنع الكثيرين من مختلف الأوساط الاجتماعية من مخالفتها، فلم يمنع بعض الشرفاء والعلماء شرفهم وعلمهم من التعامل مع غيرهم على أساس الدونية، باعتبار ما يرونه لأنفسهم من الأفضلية بحسب الانتساب الطيني لا على أساس الاكتساب العلمي، كما أن الثقافة لم تمنع بعض مثقفينا من ممارسة القبلية والتحريض على العنصرية لأغراض نفعية أنانية ضيقة، على حساب المصلحة الوطنية واللحمة الاجتماعية، باعوا الوطن بثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين، في وقت يتظاهر فيه هؤلاء بالوطنية والدفاع عن قيم الجمهورية، يراؤون الناس ويخادعون الله والشعب، والله خادعهم لا محالة، جزاء بما عملوا وما انطوت عليه سرائرهم من نيات تفرق ولا تجمع المسلمين على كلمة سواء بينهم.
التفاخر بالأنساب وازدراء الآخر على أساس لونه أو عرقه أو جنسه، ليس من الدين ولا من الإنسانية ولا الأخلاق في شيء، فالدين الإسلامي جاء للرحمة والمساواة بين البشر، جاء لإخراج الناس من ظلمات الجهل والظلم والاضطهاد إلى نور الإيمان والعدالة والحرية والعيش الكريم، والله متم نوره ولو كره الظلاميون، الذين طمست الأنانية بصائرهم وحرمتهم لذة الإيمان ونعمة العمل به، فخسروا الدنيا والآخرة، حيث أقسم الله على خسارتهم، قال جل من قائل (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
كل الناس خاسرون إلا من تشبع قلبه بالإيمان، ثم انعكس ذلك الإيمان على جوارحه بالعمل الصالح وقول المعروف والنهي والنأي عن المنكر، على عكس ما نشاهده في كثير من الأحيان من الغمز واللمز ورؤية الفضل على الغير.
يتكون الإنسان من روح وجسم، فالروح من عالم الأمر (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)، أما الجسم فأصله ترابي (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) وبالتالي لا يمكن إثبات الأفضلية لجنس من البشر دون جنس، سوى ما يتوهمه البعض وتوحي به إليه نفسه الأمارة بالسوء، من اعتقاد جهامي خلبي بأنه أفضل من غيره، هيهات، والمعول على الأفضلية بالنسب كمن يطلب الشراب من سراب بقيعة، ولا منجاة ولا خلاص من مرض الأنانية العضال إلا بالإيمان وتزكية النفس (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) حتى تحصل طهارة القلب جراء الإيمان الخالص ( ألا لله الدين الخالص) وتنزاح الأكنة والران المكتسبة بفعل الغفلة وتراكم الذنوب ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ...).
وإذا كان الإيمان يشكل رقابة ذاتية لصاحبه، ينير بصره وبصيرته حتى يسلك مسالك الرشاد، ولا يقول ولا يفعل إلا ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، فإن الجهلة الغوغاء والنفعيين والعنصريين وأصحاب العقليات الأرستقراطية المتحجرة، ليس لهم من رادع سوى سلطان القانون، وقد أحيا خطاب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في وادان الأمل في أنفسنا، أن دعاة العنصرية والقبلية والشرائحية سيلقون جزاء من جنس عملهم، وأن حجهم إلى المنافع الضيقة غير مبرور وسعيهم إلى إحياء روح القبلية غير مشكورين، وهذا لعمري إن تحقق فقد أفلح الرئيس وحاز الفوز والكرامة، وحقق للشعب الموريتاني ما يصبو إليه من العيش المشترك في انسجام و وئام، لأن عقلية الفساد وموت الضمير هو الذي أدى إلى البحث عن التكسب باسم القبيلة والعرق، هذا بالإضافة إلى الرواسب المتبقية في المجتمع من آثار الجاهلية المقيتة، والتي آن الأوان لتجاوزها بما يضمن بناء العلاقات البينية على غير منهار، من أجل الاستجابة لمتطلبات بناء الشخصية الوطنية اجتماعيا وثقافيا وسياسيا وتنمويا.
من واجب جميع الموريتانيين الغيورين على مصلحة البلد وأمنه واستقراره أن يبادروا إلى الانخراط في حملة إرشاد وتوعية بالدعوة الجفلى لتطهير ثقافة المجتمع الموريتاني من الممارسات والاعتبارات السلبية المتجاوزة، وعلى رأسها ما هو سائد من التفاخر بالأنساب والتنابز بالألقاب، وازدراء البعض بالبعض على أساس اللون والعرق والنظرة بالدونية التي لا أساس لها في شرع الله، فالرسل كان فيهم النجار والحداد وهم أشرف خلق الله على الأطلاق.