يبدو أننا شيئا فشيئا تتخلص رؤيتنا من الغموض والضبابية اللتان طبعتا وعينا و انعكستا في سياساتنا ونشاطاتنا المختلفة طيلة مسيرتنا الماضية، لقد بدأت تتضح معالم النهج الذي علينا نهجه والمسلك الذي يجب ان نسلكه للفوز بمبتغانا والنجاح في مهامنا المركزية في البناء والتقدم و في السلامة من المخاطر الكبرى التي أحاطت بنا من كل جانب وكادت تسد أمامنا كل المسالك.
لقد ظلينا دائما نطالب بالتغيير ونحذر من الاستمرار في المسار الذي سلكناه في الستين سنة الماضية من تاريخنا الحديث وكان الكثيرون منا ومن منطلقات تتباين وتختلف أحيانا وتتلاقي وتتشابه أحايين أخرى نتفق رغم تبايننا واختلافنا على إلحاح البدئ بتغيير العقليات وتقويم السلوكيات التي تلحق أكبر الضرر بمقومات وأسس الوحدة الوطنية والانسجام الكامل لفئات الشعب كسبيل أكيد وشرط وحيد للتقدم والنمو في جو من السلام والعدل والإخاء ،وقد بلغ بعضنا من الاستعجال واستحثاث همم السلطات والجهات المختلفة والرأي العام حد الأعتقاد بسبب ضآلة التجاوب الذي أظهره الجميع باستحالة التقدم ولو بخطوات بسيطة في طريق التطور والتغيير ،وقد اختار البعض الشذوذ قليلا وتبني توجهات وتكتيكات سياسية ينفرد بها في طريق اختاره لنفسه لايخلو من المبالغة أحيانا ومن الشطط والتطرف في أحايين كثيرة،
وكانت العقدة دائما كامنة في كيف و متى تقتنع السلطة وتنخرط في عمل جدي لعلاج تخلف العقليات والسلوكيات المترتبة عليه بوصفه الحصن الحصين لحماية اللامساواة والتراتبية والقبلية والفئوية وكل عيوب السلوك الاستعلائي البغيض المناقض للمواطنة الصحيحة والأخوة والحميمية والعدالة..
ونعتبر أنه بانخراط السلطة الوطنية ابتداء من ال١٠ من دجمبر بعد تصريحات الرئيس محمدولد محمدأحمد بن الشيخ الغزوانى في خطابه في مهرجان وادان والتي كانت صريحة واضحة قاطعة لا غبار عليها تعلن موقفا شاجبا للتراتبية والقبلية وكلما يضعف اللحمة والأنسجام بين كل المكونات وتعلن استعداد الدولة لضمان العدالة والمساواة بين المواطنين لقد كانت لحظة تاريخية استلم الرئيس فيها زمام المبادرة موضحا الخيارات التي تناسبه والتي لم يعلنها رئيس قبله ممن تناوبوا على السلطة لقد جعل الدولة تقف بوضوح مع العدل والمساواة مشكلا بهذا الموقف مرحلة جديدة كل الجدة ومهمة كل الأهمية وتتطلب من الدولة ومن الجميع تغييرات كبيرة حتى تتلاءم السياسات الجديدة بعلاقات واصطفافات تنسجم ومتطلبات توطيد الوحدة وتمتين تراص الصفوف ليتم تصحيح أمور كثيرة وعلاج حالات سائدة لاتناسب التوجه الجديد..
إن موقف الرئيس الذي توضح في خطابه في وادان يرتب على الجميع سلطة وقوة حية سياسات وتوجهات تمكن من تحقيق تغييرات يتطلبها الواقع لتحصين السياسات الصحيحة التي ستتبع وتأمين تماسك القوى في جبهة واسعة تهيؤ الجهد اللازم الداعم للتوجهات الوطنية لحماية الأستقرار الوطني وتقوية أسباب وأواصر الوحدة والتضامن لتغييرالعقليات والسياسات في جو من السلم والطمئنينة والسهولة والسلاسة!
إن توجه البلد لإزالة الالقام الموضوعة داخل النسيج الأجتماعي بين الفئات والإثنيات والشرائح من أجل تفجيرها وزرع التنافضات وتعميق الفروقات باستخدام تأثير التراتبيات ومخلفات الاسترقاق ومفاهيم ونعوت التقاليد المتخلفة المشتتة والممزقة لروابط المواطنين وأخوتهم ووحدتهم الدينية والثقافية وتاريخهم المشترك وترابط أهدافهم ومصالحهم، كل ذلك يفرض تخصيص جهود معتبرة لتوحيد القوى الحية حول الدولة وسلطتها القائمة لتتمكن من أداء مهامها الضخمة والضرورية لتغيير العقليات وتصحيح العلاقات وسد الثغرات وتدوير الهوامش لإيجاد تقارب وتوادد وتصالح بين كل المكونات..
نحتاج جميعا لفهم حاجة الوطن لإشاعة جو من التقارب والتعاون وإنهاء كل أسباب النزاعات والمشاحنات والتشنجات بين الكل والكل بين السلطة والمواطنين وبين المواطنين من جميع الفئات والاتجاهات !! إن زرع روح التسامح هو الملمح الأبرز لجو كالجو الذي نشرف على الولوج إليه إن المساواة والعدالة لايناسبهما التشنج والأحقاد فعلاج الأمور المتولدة من الماضي وعلاج جراحات وآلام عاشها البعض لاتقتضي الحقد والانتقام إن الحقد والانتقام يدمران ولايبنيان ويفسدان ولايصلحان ،نحتاج إزالة الضرر بتوضيح كل شيء والمسامحة في كل شيء وتحديد توجه مستقبلي خالي من الظلم والإجحاف.
في الوقت الذي نريد من الدولة معاملة الجميع بالرحمة والود وفتح الباب لكل من يريد تصليح سيرته وما أفسد والأنخراط في الهم العام لأنه لاغنى عن أي جهد يخدم التوجه العام نريد من كل من له شكايات أو ظلامات من الماضي أن يستعد للمصارحة والمسامحة لنخفف آلام العلاجات ونمنع الإيغال فيما لافائدة منه من تتبع العثرات وتكديس انواع المنغصات.
إن ديننا دين تسامح ورحمة ولايجوز لمعتنق الحنفية السمحاء أن يتسم بروح الحقد والكراهية والبحث عما يؤذي ويضر الآخرين فنبينا صل الله عليه وسلم هو الذي قال لمن اضطهدوه وصحبه وقتلوهم وشردوهم وطردوهم عندما تمكن منهم ودخل عليهم مكة ماتظنون اني فاعل بكم ثم أردف اذهبو فأنتم الطلقاء
و إن أشنع عمل عرفته قارتنا الإفريقية هو الميز العنصري "لابارتايد" الذي كان يجري في جنوب إفريقيا وكان يقع من التصفيات الجسدية والتعذيب بجميع صنوفه مايعجز عنه الوصف وعما أراد المجتمع علاج واقعه بقيادة من تعرض لأشد أنواع الأضطهاد المناضل نلسون مانديلا وحزبه ورفاقه فنهجوا الحكمة فلم يقتلوا أحدا ولم يصادروا مال أحد ،و تبنوا الصراحة ثم المسامحة فعرفو كلما جرى في الماضي وتجاوزوه وكونوا مجتمعا للجميع ولم يقبلوا أن يجعلوا ماضيهم يدمر حاضرهم ومستقبلهم ،ولم يكن الوضع في روندا بسيطا ولاعاديا كانت المذابح تملؤ الشوارع والاودية والطرقات بالجثث والديار مدمرة ومحرقة على أهلها في صراع التوتسي والهوتو فقام المنتصر من التوتسي بول كاغامي الذي كانت فأته المستهدفة بالإبادة بوقف الصراع وتسوية الأمور بإشاعة روح المسامحة وتجاوز الماضي واليوم روندا تعيش السلام والتقدم والحب والوئام هذا ماعلينا استلهامه والاسترشاد به من تعاليم ديننا وتجارب محيطنا لنسوي مشاكلنا ونحافظ على وطننا ويكون المستقبل محل أنظارنا لتعيش الاجيال في سلام ويعلموا أنهم أبناء رجال عظام قهروا الصعاب وركبوا الأهوال ليحموا وطنا كادت عواد الدهر وسوء تدبير بعض ساكنته ان يجعلوه أثرا بعض عين لولا العناية الإلهية التي أعانت من لن ينسى التاريخ من هم وكيف عانوا ليحفظوا للأبناء ولمن بعدهم وطنا غنيا جميلا هو موريتانيا!!!