من خطاب الاستقلال إلى نقل تبعية مفتشية الدولة / عالي ولد أعليوت

يبدو أن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني مدرك ومطلع بشكل كبير ودقيق على ما يجري في الساحة الوطنية، على عكس ما يذهب إليه البعض أحيانا من أنه لا يتابع ما يجري، وأن الأمر موكول إلى رجال ثقته يتصرفون كما يشاؤون، كما يبدو أنه بدأ يفكر في العمل على تصحيح الاختلالات البنيوية التي تحول دون التقدم نحو التنمية المنشودة، بدى ذلك واضحا من خلال خطاب الاستقلال، مرورا بخطاب وادان، والاجتماع المصغر في الرئاسة يوم الثلاثاء الأخير 13/12/2021 والذي أبدى فيه الرئيس عدم رضاه عن التأخر في تنفيذ برامج ومشاريع الدولة، وانتهاء بتعيين مفتش عام جديد للدولة ونقل تبعية المفتشية إلى رئاسة الجمهورية، كلها خطوات ودروس تبرهن على أن الرئيس يتابع ما يجري باهتمام، وأنه عاقد العزم وماض في تصحيح المسار، وأن مرحلة تحول جدية بدأت ملامحها تلوح في الأفق.

أكد الرئيس في خطاب الاستقلال مساء السبت 27/11/2021 أن وتيرة تنفيذ بعض المشاريع غير مرضية حيث قال "صحيح، أن وتيرة تنفيذ بعض المشاريع غير مرضية. وصحيح كذلك، أن ثمة نواقص وصعوبات على بعض المستويات. لكننا مدركون لها، وعاكفون على تصحيحها". كما جدد الرئيس التعهد بتنفيذ تعهداته للشعب الموريتاني "وأعدكم، مجددا، أنه سيتم بعون الله، إنجاز ما تعهدنا لكم به، على الرغم من الظروف الاستثنائية التي نعيشها، والعالم، بأسره، منذ أكثر من سنتين". كما وعد الرئيس بالتركيز على محاربة الفساد وإرساء حكامة رشيدة "ولذلك سنضاعف تركيزنا على إرساء حكامة رشيدة، وعلى محاربة كل أشكال الفساد. فالفساد، بطبيعته، مقوض لدعائم التنمية، بهدره موارد الدولة، وتعطيله المشاريع عن تحقيق أهدافها، وإخلاله بالعدالة التوزيعية للثروة، وهتكه قواعد دولة القانون، بما يضعف ثقة الأفراد فيها، ويصيب النسيج الاجتماعي في الصميم." ولفت السيد الرئيس إلى أنه لا يريد لمحاربة الفساد أن تكون مجرد شعار "ونحن لا نريد لمحاربة الفساد أن تكون مجرد شعار، أو أن تتحول، هي نفسها، إلى فساد، بالانتقائية، وتصفية الحسابات، والوقيعة في أعراض الناس دون قرينة أو دليل. بل نريدها عملا مؤسسيا فعالا، تصان به موارد الدولة، وينال به المفسدون جزاءهم طبقا للنصوص السارية المفعول." ومن أجل تحقيق تلك الأهداف السامية أعلن الرئيس عن جملة من الإجراءات سيتم اتخاذها "ولذا سنضاعف العمل عل تعزيز استقلالية السلطتين، القضائية والتشريعية، وتحديث مدونة الصفقات العمومية، وكذلك على تكثيف نشاط أجهزة الرقابة والتفتيش، بنشر فرقها في كل المؤسسات العمومية والقطاعات الوزارية. وسنرتب، فورا، على التقارير الصادرة عنها كل ما تقتضيه". كما صرح الرئيس أنه لم يعد من المقبول إلا أن تكون الإدارة أقرب إلى المواطن وأكثر إصغاء له "كما سنواصل التركيز على إصلاح الإدارة، فلم يعد من المقبول إلا ان تكون إدارتنا أقرب إلى المواطن وأكثر إصغاء له وأسرع في الرد عليه وحل مشاكله. ويجب أن يكون المواطن قادرا على إجراء معاملاته الإدارية، بسلاسة ويسر، والحصول على ما يحتاجه من إيضاحات، واستيفاء ما له من حقوق، بكرامة وسرعة، وبحكم كونه مواطنا لا غير".

نرى أن ما قام به الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من مكاشفة ومصارحة مع الرأي العام الوطني كان مهما، ولا شك أنه أعطى جرعة جديدة من الأمل للمتعطشين إلى تحقيق حد أدنى من إنصاف الوطن والشعب، من خلال إرساء قواعد حكامة رشيدة، قوامها العدل وبناء دولة القانون، الشيء الذي لا يمكن تصوره دون محاربة ظاهرة الفساد المدمرة.

كما دعا الرئيس خلال كلمة وجهها بمهرجان مدائن التراث في وادان يوم 10/12/2021 كافة المواطنين الى تجاوز رواسب الظلم في موروثنا الثقافي وإلى تطهير الخطاب والمسلكيات من تلك الاحكام المسبقة والصور النمطية الزائفة، قائلا "إن الأوان قد آن لنطهر موروثنا الثقافي من رواسب ذلك الظلم الشنيع وأن نتخلص نهائيا من تلك الاحكام المسبقة والصور النمطية التي تناقض الحقيقة وتصادم قواعد الشرع والقانون وتضعف اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية وتعيق تطور العقليات وفق ما تقتضيه مفاهيم الدولة والقانون والمواطنة."

وبعد عودته إلى نواكشوط دعا الرئيس إلى اجتماع مصغر في رئاسة الجمهورية، حضره الوزير الأول وبعض الوزراء، ورئيس السلطة الوطنية لتنظيم الصفقات العمومية، وكذلك رئيس السلطة الوطنية لمراقبة الصفقات العمومية، وهي خطوة واضحة ومهمة لاستجلاء أسباب التأخر في تنفيذ البرامج والمشاريع، وحث هؤلاء على بذل المزيد من الجهد والصرامة من أجل تسريع وتيرة تنفيذ هذه البرامج والمشاريع، وكذلك تحميلهم مسؤولية العجز عن النهوض بالأداء الحكومي إلى مستوى تطلعات الشعب الموريتاني وآماله المعلقة على برنامج الرئيس الانتخابي.  

كما أن الإجراء الأكثر دلالة على محاربة الفساد الذي ينخر جسم الإدارة الموريتانية، والأقرب إلى الملموس هو ذلك الإجراء القاضي بنقل تبعية مفتشية الدولة إلى رئاسة الجمهورية، وتعيين مفتش عام جديد للدولة، سعيا من الرئيس على ما يبدو إلى تمكين المفتشية من القوة المعنوية والإدارية اللازمة لأداء مهمتها، ومتابعة عملها عن قرب، هذا فضلا عن الضغط النفسي على مسيري المال العام، الذين سيكون لديهم هاجس خوف لا محالة، ما دام التفتيش يأتي من الرئاسة مباشرة.

لا شك أنني شخصيا من الذين رأوا في الرئيس الحالي عند ترشحه، الشخص الأكثر جاهزية لحكم الدولة، لكنني بعد فترة من حكمه أصبت بشيء من خيبة الأمل، نظرا لما حصل من تدوير للمفسدين، الشيء الذي حال دون تغيير ملموس في نمط التسيير، القائم أصلا على الفساد المادي والمعنوي، كما أن عدم محاسبة المفسدين المشمولين في تقارير البرلمان ومحكمة الحسابات، كان له أثر سلبي بالغ التأثير على داعمي الرئيس غزواني، لكن خرجاته المتتالية وما صاحبها وتبعها من إجراءات تصحيحية كان له تأثير جد إيجابي على إحياء روح الأمل في إنقاذ المصالح العليا للوطن من أن تعبث بها أيادي المفسدين والعنصريين.

أربعة ما استفحلت في أمة إلا وأدت إلى فسادها، جاءت كلمة الجاهلية في أربعة مواقع كلها مفسدة للأمة، (ظن الجاهلية) ويؤدي إلى فساد الأمة بسبب فساد القلوب، (أفحكم الجاهلية) ويؤدي إلى فساد الأمة بسبب فساد الحكام، (تبرج الجاهلية) ويؤدي إلى فساد الأمة بسبب فساد النساء، (حمية الجاهلة) وتؤدي إلى فساد الأمة بسبب القبلية والطائفية.

حفظ الله موريتانيا وشعبها من كل سوء.

17. ديسمبر 2021 - 8:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا