ليعلم من لا يعلم أن التغيير الذي لابد منه لتجنيب البلد بعض المخاطر والكوارث التي تتهدده وتقترب منه في كل خطوة يخطوها في مسيرته التي تسلم وراثتها عن كل الأنظمة التي تناوبت على السلطة ولم يتعبها الأهتمام بوقف الفساد أو ترشيد السياسات إلا ماكان من ادعاءات صاحب العشرية الأخيرة الذي أحاط نفسه بهالة من الدعاية الفارغة يصف فيها نفسه بأمور من بينها ادعاء محاربة الفساد وظهر فيما بعد أنه كان- على الأقل- الأكثر جمعا وتكديسا من جميع من سبقه وسلم لمن أعقبه بلدا على حافة الهاوية يقترب شيئا فشيئا من ذروة الخطر الذي لاتحمد عقباه، إن التغيير الذي يتطلبه الواقع ليس سهلا وبلا تأثيرات وأعراض جانبية مؤلمة، منهكة، مزعجة، وخطيرة أيضا، وأحيانا يكون مثبطا للهمم ودافعا للتردد قبل التراجع عن كل شيء والأستسلام للأمر الواقع واستأناف تسيير الأمور بما كان عليه الحال بالغا مايبلغ من السوء والتدهور والتناقض مع مايجب ومايصلح وماهو مطلوب.
إن التغيير مهما كان الحال يشكل ضرورة لامجال للتردد والتسويف والتنازل عنه فهو وسيلتنا لتجديد الأمل بالغد الأفضل وسبيلنا للنجاة من أخطار أحاطت بنا وكادت تكتم أنفاسنا وتقضي علينا، وإن صعوباته ومشاقه وحجم تضحياته مقبولة كلها وضرورية لأنها كمرارة الدواء لا تمنع من استعماله...
إننا لا نشك في أن فخامة الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني الذي كان أول رئيس موريتاني أدرك استحالة استمرار السياسات التي كانت سائدة منذ الأستقلال من حيث نقص المساواة والعدالة بين المواطنين ومن حيث انعدام الرشاد وحسن تسيير الشأن العام ومقدرات الوطن إذا كان بعض من سبقوه تحدث عن بعض المشكلات فإن أيا منهم لم يتحدث عن أهم المشكلات بوضوح كما فعل وشجب عدم العدالة والإنصاف وتعهد بقيام الدولة بدورها في حماية المساواة في المواطنة الصحيحة، إنه هو الأجدر بتحديد الأسلوب الأنسب لوقف التدهور أولا ثم في تحديد الخطوات اللاحقة للتغيير وفي برمجة المجهود والتوجهات المناسبة، فالرئيس أمام حالة تفرض وقفة تأمل حول من أين تكون البداية؟ ومن أين يبدؤ التغيير؟
إن الإشفاق يبلغ منا كل مبلغ على ما سيواجه الرئيس من صعوبات وتعقيدات ومن مفاجآت في أي نهج جديد وخيبات أمل كبرى من جهات كان يعتقد إخلاصها وجاهزيتها لإسناده ودعمه ومؤازرته لكنها لن تكن جاهزة للتغيير وللتنازل عن بعض امتيازاتها ،فكل ذلك طبيعي فلن يستطيع أحد تصحيح وضع كان غير صحيح وتسوية وضع كان مختلا دون مواجهة صعوباته والتغلب على عقباته.
وإننا نرى ولا نتوقع اختلافا في رؤيتنا مع مايراه الرئيس أن أول مبادئ التغيير التخلي عن السياسات والنشاطات والسلوكيات التي كانت معتمدة وتبني نهج وسلوك مغاير ولن يمكن ذلك التغيير دون خلق مناخ تغيير سياسات وأشخاص وإعلام وخطاب سياسي.
لقد كان يسود تسيير المال العام بشكل يبدد الثروات دون جدوى ونرى اتخاذ الآتي:
أولا:تصحيح تكوين الميزانيات وتحديد أبواب الصرف فيها بحيث لا ترصد أموالا طائلة لأغراض تافهة وغامضة أحيانا يجب إنهاء هذا الأمر.
ثانيا: إنهاء بقاء شركات بإداراتها ومكاتبها وسياراتها وتسييرها الإداري والمالي يصرف عليها من المزانية العامة وهي لامردودية لها سوى أن فيها جيش من العمال والموظفين هذا الأسلوب الغريب طال اعتماده ويجب حسب مانرى وقفه وتحويل عمال هذه الشركات إلى مؤسسات أخرى من تلك المؤسسات المشحونة بالموظفين قليلي المردودية! والتخلص من التكاليف الهائلة لهذه المؤسسات الميتة منذ عشرات السنوات.
ثالثا: إعادة النظر في توزيع المزانيات لإيلاء الأهمية للأكثر أهمية واستحقاقا مثل الصحة والتعليم...إلخ
رابعا: إعادة النظر بأحجام الرواتب فلا يمكن استمرار رواتب من الرئيس والوزراء والأمناء العامون والمستشارون والمكلفون بمهام والولات والحكام والسفراء بالحجم التي هي به الآن ويستمر الجنود والمعلمون والممرضون والأطباء والأساتذة والمظفون جميعهم بالمستوى الحالي فلن يمكن إلا مراجعة وضع الرواتب ليكون الوضع أكثر إنصافا وعقلانية.
خامسا: نتوقع تبني الدولة سياسة تقشف لترشيد تسيير الإدارة في البنزين واستخدام السيارات وتأثيث المكاتب والوراقة وغير ذلك.
إن تغييرا لايشمل تغيير أكثر الأساليب التي كانت متبعة لن تكون له فائدة ملموسة فتجديد الخطاب بوصفه جزئا رئيسيا من التغيير يتطلب إشراك فئات وجهات مهمة في مجهود تغيير العقليات فالعلماء والخطباء والسياسيون والإعلاميون في جميع الهيآت الإعلامية من كل الأجهزة والإداريين والمنتخبون وأطر وقيادات الأحزاب فإشراك كل هذه الجهات يشكل ضرورة للتأثير المفضي لبدئ تغيير للعقليات الذي بدوره يشكل جزئا رئيسيا من عملية التغيير .
إن توجيهات السلطات للمسؤولين في كل المهام يجب ان توضح إن الإخلاص للرئيس ليس بمدحه واستقباله في زياراته للداخل وللمشاريع المختلفة، إن الإخلاص للرئيس يجسده حسن الأداء في الوظيفة والمهام المختلفة وفي المشاركة في تغيير العقليات وبث الوعي الصحيح بمفهوم الوحدة والأخوة، وإن إظهار التأييد اللفظي أسلوب متخلف يختلط فيه النفاق والتملق مع الحقيقة والواقع بينما حسن التسيير وتثقيف المواطنين ورفع الوعي وإشاعة الأخوة وروح المواطنة الصحيحة هذه أمور حضرية راقية مفيدة وذات مردود.
إن تشجيع الدولة للتنافس في الإنجاز وفي الأمانة والنزاهة والمحافظة على المال العام وخدمة الجماهير ورفع الأفكار الصحيحة في المساواة والعدالة فوق الرؤوس ونشرها بين الجميع هذه هي الحقيقة في دعم الرئيس والوطن وتأدية الواجب أما مايجري ويتنافس فيه المتنافسون بإظهار مالله أعلم بحقيقته وإهمال مايفيد ويشارك في الصالح العام الذي إن لم تعلمه الناس يعلمه رب الناس ويجازي به يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا وما عملت من سوء...ووجد الجميع ماعملوا حاضرا ولايظلم ربك أحدا !!!