التمويلات المتناهية الصغر وفق نظام المشاركة؛ طوق نجاة اقتصادي بصبغة أخلاقية لتشجيع النساء القيمات على الأسر الفقيرة والمعدمة على مواجهة الأعباء المالية لتربية الأبناء..
إن النظام التشاركي القائم على أسس وقواعد الاقتصاد الإسلامي يقدم منظورا أخلاقيا لتدبير الأموال ودورانها في الدورة الاقتصادية؛ بحيث يجمع بين تحقيق الربحية ومعالجة الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية من فقر وبطالة.
ويهتم قبل كل شيئ بتحقيق الكرامة الإنسانية والعدالة والتقسيم العادل للثروة، ويراعي التوازن في حصول أفراد المجتمع على فرص العمل المناسبة وقدراتهم العلمية والعملية، ومواجهة التحديات الاقتصادية للحياة المعاصرة بوسائل قابلة للتطبيق تراعي متطلبات الواقع وتستند إلى الثوابت الدينية الموجهة للتصرفات والأفعال.
والأصل في قيام المنظور العام للنظام التشاركي قواعد التعاون والتكاتف والتآزر الأساسية في مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء ومقاصدها العامة ومن ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ)).
صحيح البخاري، كتاب الشركة، باب الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَالنَّهْدِ وَالْعُرُوضِ: وَكَيْفَ قِسْمَةُ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مُجَازَفَةً أَوْ قَبْضَةً قَبْضَةً، لَمَّا لَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النَّهْدِ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ هَذَا بَعْضًا، وَهَذَا بَعْضًا وَكَذَلِكَ مُجَازَفَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْقِرَانُ فِي التَّمْرِ، (٢٤٨٦).
والتعاون على مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية في أوقات الشدة وساعة العسرة وضيق ذات اليد مسائل مبثوثة في أصول التشريع بحيث يشق تعدادها.
ولما كان الاهتمام مركزا على الفئات الضعيفة والهشة، توجب الحديث عن فئة أساسية من المجتمع، يغيب الاعتناء بتناول وضعيتها في غالب النقاشات العلمية والأكاديمية والبرامج التنموية للدول، وهي فئة النساء القيمات على البيوت بسبب غياب من يعول الأسرة أو موته أو تخليه عن مسؤولياته طوعا أو كرها أو عجزا أو عمدا أو استهتارا أو تبعا لتمدد ظاهرة الطلاق الغير منضبط بضوابط الشرع وأحكامه؛ فعلى المولود له تحمل نفقة الأبناء ورعايتهم وتوفير حد الكفاية في التعليم والصحة والمتابعة، وفي إطار غياب التطبيق الفعال لقوانين الأحوال الشخصية أو العمل على تحديث تلك القوانين وتحيينها لتلائم التكاليف المتزايدة للقيام بشؤون الأسرة، ووجود ظروف طارئة وخاصة مثل وباء (كوفيد-١٩) المستجد الذي زاد من تفاقم الوضع الاقتصادي المتناقص لأسر كثيرة لا عائل لها ولا معين، يضاف إلى ذلك أن الهشاشة الاقتصادية تمثل بيئة مناسبة لصناعة أجيال ينخر فيها الإنحراف ويدخل إليها فيروس الإجرام قبل غيره من الفيروسات.
وبالنظر إلى واقع غالبية الأسر ذات الدخل المتدني، لا يجد المتتبع كبير عناء في معرفة القائم على شؤونها، لأن الغالب على أسباب ضعف الدخل المادي هو غياب المعيل، وبما أن الحاجة إلى استحداث مورد مالي للإنفاق على الأسرة، تتطلب مستوى من التكوين والتأهيل لا تبلغه الأمهات عادة؛ لعدم التعليم أصلا، أو الانقطاع عن الدراسة، أو ندرة الحصول على متطلبات المشاريع البيتية الخفيفة.
ثم إن نماذج التمويل المتوفرة في المصارف، لا تناسب قدرة الفئات الضعيفة على السداد، وتفرض ملاءة بحجم معين بحسب سقف التمويل.
ومن هنا تظهر الحاجة الماسة للتعرض لأهمية إدخال صيغ التمويل المتناهي الصغر القائم على عقود التمويل التشاركي(الإسلامي)، في أولويات السياسة الاقتصادية للحكومات والقطاعين العام والخاص، وتوجه رجال الأعمال والنساء الرائدات في مجال الأعمال نحو الاستثمار في الاقتصاد الأخلاقي، وترك بصمات واضحة في تشجيع الفئات الضعيفة والهشة على الإنتاج والعمل بدل الاتكالية والعيش على الهبات والتبرعات والصدقات.
ولتقريب الموضوع للمتلقي أبدأ بالحديث عن الإطار المفاهيمي لجوهر الدراسة:
يعرف التمويل الأصغر أو المتناهي الصغر بأنه:
"التمويل الأصغر أو التمويل المتناهي الصغر(بالإنجليزية: Microfinance)، هو تقديم قروض صغيرة جداً للعائلات الفقيرة التي لا تتمكن من الحصول على هذه القروض من القطاع المصرفي، لمساعداتهم في الانخراط بنشاطات منتجة أو لتنمية مشاريعهم المتناهية الصغر. وأحياناً ما يعرف التمويل الصغير أو الأصغر بأنه تقديم الخدمات المالية المختلفة (قروض و ادخار وتحويلات وتأمين وغيرها) للفئات التي لا تتمكن من الحصول على هذه الخدمات من القطاع المصرفي".
ويعتبر التمويل الأصغر من الأدوات الفعالة التي تساهم في مساعدة الفئات الفقيرة على تحسين دخلها ومستوى معيشتها بوسائل قابلة للاستمرار والتجدد دون قابلية نضوب الموارد في حالة الاعتماد على التبرعات.
وتوفير فرص عمل متزايدة بحسب الدورة الاقتصادية لأصل التمويل ففي كل مرة يتم السداد بشكل كلي تتم إضافة مستفيد جديد من التمول عن طريق المبلغ الأول المقدم، كما يعتبر أكثر القطاعات قدرة على خلق فرص العمل وبتكلفة استثمارية متدنية الأمر الذي يجعله خير وسيلة للتخفيف من البطالة ومحاربة الفقر.
ويساعد التمويل المتناهي الصغر القائم على النظام التشاركي على تمكين الأسر الفقيرة من توفير مصدر عيش كريم يساعد في مواصلة أبناء الأسرة تعليمهم وإتمام مراحله المختلفة.
والهدف من ذلك تزويد هذه الأسر بفرصة شريفة ليصبح لديهم اكتفاء ذاتي من الناحية المالية وإعطاء نموذج لترسيخ قيمة العمل واعتباره أصلا للتكسب، وإقدار الغير على تحقيق مكسب مادي بمجهود شخصي دون التقليل من أهمية استثمار الأموال والتجر فيها من جانب آخر.
وينبغي عند اعتماد برامج تمويل صغرى مراعاة البيئة الحاضنة للمشاريع وطبيعة الظروف المحيطة والتناسب بين حجم التمويل والسوق ووجود فجوة كبيرة بين العرض والطلب والقدرة على إدارته ونوعية الأنشطة وجودة المنتج واختلاف الحاجات والقدرات الشخصية، والملاءمة مع البرامج الحكومية ذات الأهداف المشتركة.
ولتقديم الجانب التأصيلي للتمويل الصغير والمتناهي الصغر يجب التأكيد على عناية الشارع الحكيم بالعمل والحث عليه في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويكاد يصعب حصر الآيات القرآنية الدالة على طلب العلم وفضل العمل الصالح بصفة عامة، وإباحة السعي في طلب المعاش وعمارة الأرض بشكل خاص؛
﴿فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ١٠﴾.(سورة الجمعة)
يقول ابن عطية في المحرر الوجيز:
"وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: "فانْتَشِرُوا" أجْمَعَ الناسُ عَلى أنَّ مُقْتَضى هَذا الأمْرِ الإباحَةُ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ﴾ أنَّهُ لِلْإباحَةِ في طَلَبِ المَعاشِ..".
وقال الله تعالى:
﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ ١٥﴾.(سورة الملك).
يقول ابن عطية في المحرر الوجيز:
"وهَذِهِ الآيَةُ تَعْدِيدُ نِعَمٍ في تَقْرِيبِ التَصَرُّفِ لِلنّاسِ، وفي التَمَتُّعِ في رِزْقِ اللهِ تَعالى..".
وفي الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة ما يحث على العمل الصالح والكسب الحلال ونبذ الكسب غير المشروع والعمل باليد وتحقيق الكفاية عن سؤال الناس:
عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه:
(( ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ)).صحيح البخاري.
وفي رواية عنه:
(( ما أَكلَ أحدٌ من بني آدمَ طعامًا خيرًا لهُ من أن يأكلَ من عَملِ يدِه، إنَّ النَّبيَّ داودَ عليهِ السَّلامُ كانَ يأكُلُ مِن عملِ يدِه)). أخرجه البخاري.
وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رضي الله عنهما، أنَّ عبدَ العزيزِ بنَ مَرْوانَ كَتَب إليهِ أنِ ارفَعْ إليَّ حاجتَكَ، فكَتَب إليهِ عبدُاللهِ بنُ عُمرَ يَقولُ:
إنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقولُ: (( اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليدِ السُّفْلى، وابْدَأْ بمَن تَعُولُ. وإنِّي لا أَحسِبُ اليدَ العُلْيا إلّا المُعْطِيَةَ، ولا السُّفْلى إلّا السّائِلةَ، وإنِّي غيرُ سائِلِكَ شيئًا، ولا رادٍّ رزقًا ساقَهُ اللهُ إليَّ مِنكَ، والسَّلامُ)).ابن عبد البر، التمهيد،صحيح.
وعنه رضي الله عنه:
((اليدُ العُليا خيرٌ من اليدِ السُّفلى واليدُ العُليا اليدُ المنفِقةُ)).ابن عساكر، معجم الشيوخ، حسن صحيح، أخرجه مطولاً البخاري، ومسلم باختلاف يسير، والبيهقي واللفظ له.
وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه:
((لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الحَطَبِ على ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَها، فَيَكُفَّ اللَّهُ بها وجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ)).صحيح البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه:
((لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ - أَحْسِبُهُ قالَ: إلى الجَبَلِ - فَيَحْتَطِبَ، فَيَبِيعَ، فَيَأْكُلَ ويَتَصَدَّقَ، خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النّاسَ)).أخرجه البخاري، ومسلم.
وعنه رضي الله عنه:
((والذي نفسِي بيدِه لأن يأخذَ أحدُكم حبلَه فيذهبُ إلى الجبلِ فيحتطبُ ثم يأتِي به فيحملُه على ظهرِه فيبيعُه فيأكلُ خيرٌ له من أن يسألَ الناسَ ولأن يأخذَ ترابًا فيجعلَه في فيه خيرٌ له من أن يجعلَ في فيه ما حرَّم اللهُ عليه)).
الهيثمي، مجمع الزوائد، أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي مختصراً، وأحمد واللفظ له.
وبعد التأصيل نصل إلى معالم التطبيق، نحتاج عند الحديث عن المسطرة الإجرائية لتنفيذ مشاريع متناهية الصغر إلى التنبيه والحرص على ضرورة حماية الطبيعة المستدامة لها والتقيد بالمبادئ والمعايير الدولية والمحلية لتقديمها وتسييرها ومتابعتها؛
وقد أصدرت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (CGAP) بموافقة من الجهات التنموية والمؤسسات الخاصة المبادئ الأساسية للتمويل متناهي الصغر والتي اعتمدت في 2004 كجزء من الالتزام بزيادة الوصول للتمويل متناهي الصغر،
وتهدف هذه المبادئ إلى تأكيد مفهوم أن التمويل متناهي الصغر المستدام يساهم في الحد من العجز المالي والفقر وتركز هذه المبادئ على النقاط التالية:
• الفئات ذات الدخل المحدود والمنخفض لا تحتاج إلى القروض فقط، بل إلى حزمة متنوعة من الخدمات المالية؛
• التمويل متناهي الصغر يعتبر أداة قوية لتقليل حدة العجز المالي والفقر؛
• التمويل متناهي الصغر يعني بناء أنظمة مالية تقدم خدمات للفئات ذات الدخل المحدود والمنخفض ؛
• الاستدامة المالية لمؤسسات التمويل متناهي الصغر ضرورية للوصول إلى عدد كبير من محدودي ومنخفضي الدخل حيث أن الاستدامة المالية تؤدي إلى خفض تكاليف المعاملات وتقديم منتجات أفضل؛
• التمويل متناهي الصغر معني بإنشاء مؤسسات مالية محلية دائمة قادرة على تقديم حزمة متنوعة من الخدمات والمنتجات المالية الملائمة لمحدودي ومنخفضي الدخل؛
• التمويل متناهي الصغر لا يناسب كل شخص أو كل حالة حيث أن من ليس له دخل مالي يحتاج إلى أشكال أخرى من المساعدة قبل الاستفادة من القروض؛
• تحديد سقف أعلى لأسعار الفائدة يمكن أن يحد من قدرة مؤسسات التمويل متناهي الصغر على تحقيق الاستدامة المالية وبالتالي يضر قدرة محدودي ومنخفضي الدخل على الحصول على الخدمات المالية على المدى الطويل( وهذا المبدأ يعضد الدراسة التي تؤكد على اعتماد عقود التمويل التشاركي الإسلامي)؛
• دور الحكومة هو خلق بيئة داعمة لتطوير خدمات التمويل متناهي الصغر مع حماية محدودي ومنخفضي الدخل؛
• يجب أن يستخدم الدعم من الجهات المانحة لبناء القدرات المؤسسية وتطوير البنية الأساسية الداعمة لمؤسسات التمويل متناهي الصغر وإدماج الخدمات المالية لمحدودي ومنخفضي الدخل في الأسواق المالية المحلية؛
• نقص القدرات المؤسسية والبشرية يعد من أهم المعوقات مما يتطلب وضع برامج لبناء قدرات كافة الأطراف المعنية بالصناعة (المؤسسات وجهات الإشراف والرقابة والهيئات المانحة)؛
• أهمية الشفافية المالية والإفصاح عن الأداء المالي والاجتماعي لمؤسسات التمويل متناهي الصغر.
ولا يمكن إغفال دور الجهات الرقابية القائمة بمهمة متابعة المشاريع المتناهية الصغر وتكوين الفئة المستهدفة على الطرق الأمثل لإدارة الموارد المالية المحدودة، وإعطاء الأولوية لاستدامة النشاط، وتحقيق العائد المادي المتوقع بأقل تكلفة وأكبر مردود.
ويلاحظ أن أغلب النساء الفقيرات القيمات على البيوت حول العالم وفي البلدان النامية خصوصا وغالبيتهن في العالم الإسلامي، قد لا تتاح الفرصة لهن للولوج إلى مؤسسات التمويل، وتتناقص فرصهن في الحصول عليه بسبب المستوى التعليمي المتدني أو وجود آليات غير شفافة للاستفادة منه نحو المحسوبية والرشوة والزبونية ومزاحمة غير المستحق المستحق أو بسبب شروط طلب التمويل الصعبة وتقديم الضمانات العقارية غير المقدور عليها.
وبعد ما تقدم أنتقل إلى وضع تصور لنماذج من التمويل الأصغر أو المتناهي الصغر يمكن تطبيقها على الفئة المستهدفة؛
- تمويل إقامة محاضر نموذجية في البيوت تتوجه إلى النساء صاحبات المستوى التعليمي الأعلى من العلوم الشرعية اللائي أقعدهن واجب الحضانة أو قلة الحيلة ويتم ذلك من خلال توفير أدوات التدريس وتغطية التكاليف الخاصة بالعمل، ويمكن في هذه الحالة تطبيق صيغة الإجارة أو غيرها.
-تمويل أنشطة وبرامج صغرى تعين النساء على القيام برعاية الأبناء في البيت دون أن تضطر إلى الخروج من المنزل وتعريض الأولاد للضياع ويجمع في ذلك بين ضمان التنشئة الاجتماعية السليمة وتوفير مصدر عيش كريم؛ ومثال ذلك تمويل أنشطة الخياطة والتطريز والحياكة من خلال شراء آلات الخياطة للمستفيدات تسدد أقساط أثمانها وفق فترات طويلة وتقاسم الأرباح طبقا للحالة المادية مع مراعاة التكوين المسبق وحاجة السوق والقدرة التسويقية.
- تمويل إقامة حضانات منزلية للأطفال في مقر سكن الأسرة بشرط مراعاة ضوابط الحضانة الشرعية للبنات وتوفير بيئة آمنة من تواجد مخاطر التعرض للإيذاء، وتقديم تكوين تربوي وتوجيه شرعي للمستفيدات ومتابعة ميدانية.
- تمويل خدمة إعداد الأطعمة وتوصيلها خصوصا في ظل الطلب المتزايد في فترات الطوارئ الصحية، والعمل على اعتماد معايير الجودة والنظافة والسلامة الصحية.
- تمويل مشاريع إنتاج الصناعات البسيطة القائمة على المواد الأولية المتوفرة في البيئة الريفية مثل إنتاج الجبن البلدي والزبدة والسمن، وذلك بشراء مصادر المواد وآليات التصنيع البسيط.
- تمويل مشاريع الزراعة القروية للنساء في الريف عن طريق توفير أدوات العمل والأسمدة وتمويل رأس المال العامل الأصغر.
وفي الأخير أختم بمسألة صيغة التمويل التشاركي الإسلامي المناسبة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر المتمثلة في المشاركة المتناقصة القائمة على تملك أصل إنتاجي بصفة متدرجة والاستفادة من العائد المادي للمشروع بشكل مرحلي مع الحصول على وسيلة للقيام بنشاط اقتصادي مستدام في نهاية عمر المشروع.
إن المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك هي إحدى الأساليب الحديثة التي تتعامل بها مؤسسات التمويل الإسلامية، وهي أسلوب استثماري جديد لم يكن معروفاً عند الفقهاء المتقدمين،ومن صيغ التمويل الشرعي لمواجهة التعامل الربوي لدى البنوك الربوية، وقد درسها الفقهاء المعاصرون ووضعوا لها ضوابط شرعية، من خلال المجامع الفقهية والمؤتمرات والأبحاث والدراسات العلمية، وقد عُرِّفت المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك بعدة تعريفات،فقد
ورد في الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية 1/28: " بأنها مشاركة يعطي البنك فيها الحق للشريك في الحلول محله في الملكية دفعةً واحدةً، أو على دفعاتٍ وفق ما تقتضيه الشروط المتفق عليها، أو طبيعة العملية على أساس إجراء ترتيبٍ منظمٍ لتجنيب جزء من الدخل لسداد قيمة حصة البنك"، وجاءت كلمة المتناقصة فيها لتدل على أن البنك الإسلامي تنقص حصته تدريجياً، لأنه يبيعها لشريكه، وجاءت عبارة “المنتهية بالتمليك” أي بالنسبة للشريك المشتري حيث إنه يتملك الأصل الإنتاجي بالتدريج.
ولهذه الصيغة ضوابط شرعية لا بد من الالتزام بها عند التطبيق ويراعى التقيد بالمعايير الشرعية للمشاركة المتناقصة والإطار التنظيمي المحلي للعمل بها وتوفير رقابة مالية وشرعية لمتابعة مراحل تناقص حصة جهة التمويل وحصول الطرف المستفيد على حصص الطرف الأول دون النص على ذلك في عقد واحد والحذر من الجمع بين العقود المتعارضة في المعنى أو الجمع بين بيع وشرط أو بيع وشركة.
وعند التحقق من وجود آليات التدقيق الشرعي الخارجي والداخلي ووسائل الرقابة والمتابعة من الجهات المقدمة للتمويل والحرص على تحقيق الهدف الأخلاقي للتمويل، ستكون هناك بإذن الله تعالى نتائج إيجابية وآثار اقتصادية واجتماعية ملموسة تحد من جنوح الأحداث وتساعد على القضاء على أسباب انتشار العنف والجريمة في أوساط الشباب، وتعمل على تناقص النقمة المجتمعية لدى الفئات المحرومة.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.