لا تزال الوسيلة السياسية الأكثر إقناعا لتعبئة الجمهور، ونيل ثقته بالنسبة للساسة، هي الحشد الجماهيري القائم على الشعارات واللافتات الكبيرة والأبواق الصاخبة، مهما كلف ذلك من إمكانيات مادية ومعنوية وتعارض مع التعليمات الصحية الرسمية للوقاية والسلامة في البلاد.
تلك هي ميزة التجمعات والوقفات السياسية- (قبلية كانت أو جهوية او حزبية)- منذ بداية الديمقراطية في موريتانيا.
ضرورة قد يمليها التنافس السياسي المستعر في بلد يشعر فيه البعض بالتهميش السياسي والغبن الاجتماعي.
وقد تكون فرصة للتعبير عن البرامج السياسية وشرحها للجماهير.
لقد كان مهرجان"الإنصاف"، في ساحة المطار الذي نظمه حزب الاتحاد من اجل الجمهورية، نموذجا لهذا التصور عن التظاهر السياسي، إذ شرح فيه رئيس الحزب ما تم انجازه من برنامج رئيس الجمهورية الانتخابي، وقد ركز في كلمته على مضامين خطاب مدائن التراث، الذي ركز فيه السيد رئيس الجمهورية على ضرورة إنصاف الفئات الهشة التي عانت الظلم والغبن والتهميش. لكن- وبصفة موضوعية ومن باب النصح لأولي الأمر- ألا تكفي وسائل الإعلام الرسمية، وغير الرسمية، ووسائط التواصل الاجتماعي لنشر، وشرح مضامين هذا الخطاب؟
كيف يمكن لنا أن نبرر صرف هذه الأموال الباهظة في التظاهرات والشعارات واللافتات؟، ونحن نعيش وضعية عالمية صعبة : غليان في الأسعار محليا ودوليا؟، وتغيرات مناخية خطيرة، وانتشار جائحة كورونا ومتحوراومكرون الذي تصفه منظمة الصحة العالمية بالأخطر والأسرع انتشارا وعدوى؟
ألم يكن أولى، أن تصرف هذه الأموال للتخفيف من غليان الأسعار المشتعلة، هذه الأيام في بلادنا؟ أو أن تنفق لصالح الفقراء في المدن والأرياف الذين يعانون في أكثر الأحيان، تحت وطأة العطش والظلام؟
كيف يسمح بهذه التظاهرة الضخمة، في الوقت الذي نسبة هذه الجائحة تزداد يوما بعد آخر؟ وكل العالم في حالة استنفار، وحكومتنا تهيئ لحملة تحسيسية وطنية أخرى لإقناع المواطنين بخطورة المتحور الجديد، وضرورة الإقبال على مراكز التلقيح؟
وللتذكير، فانه لولا العون من الله، والإجراءات الصحية والأمنية المبكرة، التي اتخذتها الدولة بكل صرامة ومتابعة حقيقية، والهبة الوطنية للتعبئة والتحسيس التي شارك فيها كل الطيف السياسي والمجتمعي حول هذه الجائحة الخطيرة لكانت الكارثة.
بهذا الجهد التعاضدي الموفق تم -بحمد الله- التخفيف من أضرار هذه الجائحة الخطيرة. فلنواصل هذه الهبة التضامنية ضد الجائحة، فمنظمة الصحة العالمية لا زالت تدق ناقوس الخطر، للتصدي لكوفيد ومتحوره اومكون الجديد الذي تؤكد انه أكثر خطرا وأسرع انتشارا منه.
لقد شكل مهرجان"الإنصاف"، في هذه الظرفية الحرجة، تحديا لإجراءات السلامة الصحية المعمول بها في البلد، من أعلى مرجعية حزبية، تعتبر هي المسؤول الأول عن صحة المواطنين، والسهر على تطبيق إجراءات السلامة، والوقاية من هذه الجائحة التي تتمظهر في أشكال مختلفة كل يوم...إذا كان رب البيت للدف ضاربا فلا تلوم الصبيان على الرقص
إننا مطالبون جميعا سلطة، وشعبا، في هذه الوضعية المرضية الصعبة، بالسهر على التطبيق الصارم للإجراءات الاحترازية المتبعة للوقاية الصحية. وان نمنع أي وقفة أومهرجان في هذه الآونة، قبل توفر الشروط الوقائية في المكان المقرر (الممرات الصحية، لضمان مسافة التباعد الاحترازي، ووسائل الإعلام لتحسيس،المواطنين على احترام الإجراءات الصحية. والرقابة الدقيقة للتحقق من الانضباط الصارم للارشادات. حفظ الله بلادنا من كل جائحة ووباء. إنه سميع مجيب.