في العام 1978 تأسست أول حركة للدافع عن حقوق الحراطين على يد مجموعة من المثقفين؛ عُرفت بحركة الحر ؛ وبعد ذلك بثلاثين سنةً وتحيدا في الخامس من نوفمبر 2008 تأسست مبادرة إنبعاث الحركة الانعتاقية؛ المعروفة اختصاراً "بإيرا". برئاسة بيرام ولد الداه اعبيدي وإبراهيم ولد بلال, ولولا جهود نخبة من المتطوعين لما أصبحت فكرة إيرا جزءاً من الواقع.
المرحلة السرية:
خلال عملي في عدة ولايات ( آدرار ؛ كوركول ؛ لعصابة؛ اترارزة ؛ نواكشوط)؛ فرضت علي ظروف العمل السكن مع زملاء المهنة؛ والخوض معهم في كل شاردة وواردة.
ما أثار اننباهي ؛ طوال فترة امتدت لسبع سنوات؛ أنهم كانوا يخصصون وقتاً يبدأ من الخامسة مساءً حتى الثامنة للقيام بنشاط يركز على تحسيس طبقات بعينها بمخاطر التهميش والإقصاء.وبأسلوب لايخلو من عنصرية تعتمد على إثارة البغضاء بين مكونات الشعب الواحد.
لم أستطع في البداية استيعاب هذا النوع من الأساليب من قبل مثقفين؛
كان الأمر أشبه بنشاط سري؛ لأنه بعد فترة من الدعاية لهذا الخطاب يتم تكوين مجموعات محلية تتولى نشره ضمن الحيز الجغرافي المجاورلها.
اعتقدت في البداية أن الموضوع يتعلق بالعمل مع منظمات دولية مقابل راتب شهري؛ بهدف تحقيق أجندات معينة؛ قررت أن افتح نقاشاً صريحاً مع زملائي الذين كانوا يصفونني بالإقطاعي على وجه الممزاحة.
أدت النقاشات المتكررة بيننا إلى تحطيم العديد من الحواجز النفسية؛ صارحوني بكل شيء وطلبوا مني المشاركة في حملاتهم التحسيسية؛ كان هذا في بداية العام 2002 .لتطور الأمور بعدذلك وتصل مرحلة المواجهة العلنية.
العنف المعلن:
استطاع الخطاب الإيراوي ان يكسب مشاعر الفئات الشابة وفيئات عريضة من مثقفي الحراطين؛ بحكم صراحته ولغته التي تلامس هوى لدى كل من يعاني شعورا بالغبن.
أصبح هناك إحساس بضرورة استخدام العنف اللفظي والمادي لدى مناصري إيرا؛ وفي هذا الصدد تم الاعتداء على رجال أمن في مفوضيات الشرطة؛ ورفعت شعارات عنصرية في مظاهرات اسبوعية كانت تنظمها الحركة بعد اعتقال زعيمها.
وقد شكل العام 2012 ذروة هذا التوجه الذي يحمل طابعاً عنيفاً؛ حين أحرقت الحركة كتب الفقه المالكي التي اعتبرها مجرد دساتير لتشريع العبودية؛ وفي الحقيقة كانت تلك المرحلة إيذانا بتحول جديد سيفرض تحدياته هو الآخر.
من الحماسة إلى الانقسام:
لفتت مايعرف في أدبيات إيرا "بالمحرقة" نظر المؤسسات الدولية ذات الطابع الحقوقي؛ التي بدأت تهتم بإيرا وزعيمها الذي وصفوه مقربون منه بأنه استغل جهودهم لتحقيق مآرب شخصية؛ فانشق عنه الدكتور اعلي ولد رافع ونائيه الأستاذ إبراهيم ولد بلال. لكن بيرام قرر أن يحتمي بالحاضنة الزنجية ليستغل علاقاتها الدولية وتجربتها في حركة أفلام؛ الأمر الذي أثار حفيظة بعض الحراطين الوطنيين؛ الذين رفضوا المتاجرة بأمن واستقرار موريتانيا؛ وتبنوا النضال بطرق أخرى مرخصة من قبل دولتهم .
إكراهات الترخيص:
لم تثن كل التحديات السابقة زعيم الحركة عن مواصلة نضاله؛ لكنها أقنعته بضرورة تبني النضال السلمي؛ فأخذ منحنى جمع بين السياسة والحقوق؛ ليصبح نائبا في البرلمان في انتخابات العام 2018 .
سلمية غزواني :
الظاهر أن جنوح رئيس الدولة للسلمية؛ جعل بيرام ينخرط بسرعة في التهدئة التي دعا إليها غزواني جميع مكونات الضيف السياسي في البلد؛ وهو مافسره البعض بتحول تاريخي في مسار الحركة.
هذا التحول ترتب عنه الاعتراف الرسمي بإيرا من قبل السلطات الموريتانية؛ وهو ما أعلن عنه زعيمها أمس في حفل نظمته الحركة بهذه المناسبة.
إيرا في مواجهة المجتمع:
يفرض الترخيص على مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية تغييراً في قاموسها التوعي وحتى في أساليب التعاطي مع القضايا الحساسة؛ بحكم أن عملها خارج القانون كان يمنحها مرونة؛ مكنتها من تجاوزات يجرمها القانون الموريتاني.
يجمع المهتمون بالشرائحية في البلادعلى أن ولد اعبيدي هو الشخصية الوحيدة -حتى الآن- التي حاولت الجمع بين كل التيارات المتناقضة في المجتمع؛ من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ وهو ما عكسته مغازلته لحركة "أفلام" والترشح عن طريق حزب الصواب المحسوب على البعثيين. فهل سيتطيع جمع هذا التنافر الاثني والإيديولوجي تحت ترخيصه الجديد؟.. أم أن الاعتراف بحركته مجرد دق اسفين في نعشها ؟...