هل مظاهر التحشيد تمثل تأييدا حقيقيا للرئيس؟! / التراد بن سيدي

أكثر الرأساء والملوك والزعماء مهما كانت حكمتهم ورجاحة عقولهم وحصافتهم يبقون يفضلون أن يظهر لهم الناس التأييد والدعم وصنوف الإجلال والتبجيل لحد المبالغة والشطط أحيانا عندما يتجاوزون في التمجيد والمدح إلى حد التقديس ووضع الأوصاف والنعوت التي تجسد الفردانية والتميز و..و..و...
فجل الزعامات في الماضي البعيد والمتوسط وفي الحاضر لايملون من مبالغة أتباعهم في تمجيدهم وتضخيم منجزاتهم ومآثرهم فلا حدود  لدرجة حاجتهم للتطبيل وسعادتهم وبهجتهم وفرحهم بالإشادة والمدح والتنويه بمزاياهم وخصالهم.
هذه شيم الملوك والقادة الزمنيين عبر التاريخ من نمرود وفرعون وكسرى وقيصر مرورا بملوك القرون الوسطى مسلمين وغيرهم ( باستثناء الخلفاء الراشدون) وحتى ما يعرف بعصر التنوير بديكتاتورياته وديمقراطياته وعصر الملكيات الحديثة والجمهوريات الثورية إلى زمن ماعرف بالربيع والصيف والخريف العربي المستمر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا..
فكل الأنظمة الإنسانية يطبعها طابع واحد حتى وهي تختلف وتتنوع في أساليب الحكم وأدوات التعاطي !!
إن النظم الوطنية التي تحتاج اصطفاف القوة الواعية المتميزة مع توجهات النظم وبرامجهم الإصلاحية والتي تتطلب غالبا النضال وبذل الجهد ومكابدة الصعوبات لتغييرالواقع وتبديل العقليات اللامبالية بالأختلاس وعدم الأمانة ومختلف السلوكيات الضارة، هذا الأصطفاف الذي يشكل ضمانة لتحقيق أية برامج إصلاح أو تطوير يتطلبها الواقع و يريدها النظام يحول دون تحقيقها جبلة ميول النظم للتطبيل والمدح والإشادة ويدعم هذه الجبلة والميول كثرة المتزلفين المتملقين الجاهزين بقدراتهم الخارقة لإشباع حاجة النظم لهذه الخدمات فالذين لايؤمنون بشيء سوى تحقيق مصالحهم الشخصية قادرون على التملق والتفنن في أساليب النفاق عبر كيل المديح والإشادة والتطبيل وإظهار التعلق والدعم اللامحدودان للنظام ..
هذه القضية تشكل المعضلة الكبرى لكل نظام جدي طموح واضح الأهداف، إذا لم يكن حاسما في تحديد كيف يكون الولاء له والدعم بتبني توجهاته وبذل الجهد ومكابدة الصعاب لتغيير العقليات وتسوية المشكلات وحماية المؤسسات وصيانة الوحدة بتأكيد الحق والعدل والمساواة !! فعدم حسم النظام لخياره في أولوية اعتبار الدعم مرتبط بالموقف المبدئ والتطبيق العملي وليس بإظهار الموالاة اللفظية دون العمل الذي يناسب تلك الموالاة، فمن لايؤمن بالمساواة ولايطبقها ولايكرس التخلي الفعلي عن التراتبية ويجسد الإخلاص في العمل والنزاهة في التسيير فلا اعتبار لأقواله وتصفيقه.
لقد أوضح الرئيس محمد بن الشيخ الغزوانى كأول رئيس موريتاني تبنيه للعدالة والمساواة ونبذه للتراتبية والأحكام القيمية التبخيسية الجائرة والظالمة والمهينة
بحق مختلف المكونات الوطنية وأوضح التزامه الحازم لضمان الدولة للمساواة في المواطنة والحقوق الثابتة لكل المواطنين، ولم يبقى مطلوبا من أي أحد في هذا البلد سوى تحديد موقفه من هذا التوجه المبدئي القاطع، أمع الرئيس أو ضده؟ فمن يكن مع الرئيس سيتخلى عن جميع أفكار وسلوكيات الماضي ويتبنى وينخرط قولا وعملا مع توجهات الرئيس ولايحتاج لغير التطبيق والتجسيد الفعلي لوجهة وسياسة واضحة ومحددة لاتقبل التمييع أو التسويف فنحن أحرار متساوون لا فضل لأحد منا على أحد إلا بالتقوى  أو بما يحسن لا فئات أو طبقات فينا منبوذة لا مكانة ثابتة عليا أو سفلى لأحد بالتوريث الناس سواسية كأسنان المشط في الفرص متساون وأمام القانون كذلك!! أما من يعارض الرئيس وسياسته فله مايرى ويتحمل المسؤولية عما يرى نقطة تحت السطر!!
لذا فإنني لم أرى التأييد لتوجهات الرئيس يتحقق بالمهرجانات ولا بالإشادات اللفظية والتعليقات والخطابات ولاحتى بالقصائد والأغاني والأناشيد وإنما بالتبني الفعلي والتطبيق العملي، إن مهراجانا شعبيا حاشدا بالحجم والضخامة التي كانت لمهرجان الأتحاد من أجل الجمهورية الذي خصص لدعم خطاب الرئيس وتوجيهاته آنفة الذكر كان سيكون نهاية مرحلة من التيه والتخبط وبداية مرحلة تصحيح المسار وتوجيه البوصلة نحو الوجهة الصحيحة تحقيقا لمجتمع موحد متماسك وحكامة رشيدة وانخراط كامل في توجه صاعد كان سيكون كذلك لو كان الصدق والإخلاص والوعي وراء انعقاد المهرجان وحشد الجماهير فلو اقتنع خمس في المئة ممن امتلأت بهم ساحات المطار القديم بما احتواه خطاب الرئيس لتحققنا أنه قد انتهت المرحلة التي كانت تقيدنا وتعرقلنا وبدأت مرحلة الأنطلاق نحو المستقبل المشرق، لقد استمعنا في المهرجان لخطاب رئيس الحزب وكان فصيحا مكتنزا بالأفكار والرؤى النيرة لما يجب أن يكون عليه المستقبل وكيف يتم فهم المبادئ السامية والمشاعر الجياشة اللتان عبق بهما بيان وادان للرئيس، وقد بدأ الحضور كبيرا والتدافع والتنافس قويا بحيث لو كان المقصود ما تضمنه الخطاب من مبادئ متميزة وليس إظهارا لدعم صاحب الخطاب وهذا هو مربط الفرس.
إن تأييد الرئيس بتأييد أفكاره أي بتأييد محتوى الخطاب لأنه هو الموضوع وهو الذي له التأثير في الحاضر والمستقبل أما دعم صاحب الخطاب الرئيس نفسه وإظهار التعلق به ومختلف أشكال تلك الأسطوانة المشروخة التي تعودنا عليها وشكلت دوما نهجنا وديدننا فتلك مضيعة للوقت ولاطائل من ورائها!!
إن الرئيس لايتجسد تأييده بالتظاهر والأشكال المعروفة والممجوجة في آن معا بسبب نقص مصداقيتها وإنما يكون بدعم توجهاته بالمشاركة في تحقيق المساواة والأخذ على يد المفسدين وتصحيح السياسات بدعم الوحدة الوطنية وإزالة معوقاتها وتحقيق البرامج التربوية والصحية والبيئية والاقتصادية...
هذا ماجعلنا  نفضل التركيز على غير التحشيد والتظاهر من الأساليب المعبرة عن الدعم والتأييد لتوجهات الرئيس التي تعتبر بحق طفرة جديدة في نظرة وسياسات الدولة الموريتانية وذلك بحثا منا عن الحق والصدق والجدوى والله ولي التوفيق..

2. يناير 2022 - 8:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا