نعالج عللنا القديمة أو أمراضنا الجديدة؟! / التراد بن سيدي

نحتاج علاج الكثير بل الكثير جدا من السلوكيات والعادات الضارة التي رافقتنا من عصر البداوة وزمن السيبة التي كانت سائدة في هذه الربوع والتي إن لم نعالجها فلن نستطيع الحفاظ على مجتمعنا موحدا سليما متماسكا أو نجعل أولويتنا أمراضا سرطانية نمت كالفطر بعد الاستقلال خلال تلمسنا لطريق نسلكه في الحياة الجديدة لكياننا الذي صار دولة موريتانيا المستقلة.
لقد رافقتنا من الماضي علل بنيوية تمثلت في:
١- بعض الانكماش والانغلاق الداخلي للمجموعات بعضها عن بعض بين المكونات المختلفة عربا وزنوجا لكنه ليس بمستوى التمييز العنصري وإنما نسبة من الانغلاق الذي تسبب فيه اختلاف في اللغة و بعض العادات ولم يكن الانكماش أو الانغلاق دائما وشاملا في كل الأوقات وفي كل الأماكن فقد كانت هناك مراحل كثيرة حدث فيها التحالف بين المكونات لدرجة الاصطفاف المتداخل عرب وزنوج ضد عرب وزنوج وفي بعض الأوقات والأماكن تم التداخل والتمازج والانصهار كما حدث في" كنبى صالح"و "اوداغست"، وتجربة "ولاته" و"تشيت" في الامتزاج ماتزال حية واضحة.
٢- كما رافقتنا من الماضي عقلية عبودية تتبنى ممارسة الرق وتراه شرعيا لاضير فيه وتعتبر من مر عليه الرق لايمكن ارتقاءه إلى مستوى الآخرين في مجتمعه.
٣- و عقلية تراتبية تقسم المجتمع إلى فئات تختلف في المكانة والدور وتورث المكانة كمعطى ثابت مقسمة المجتمع إلى نبلاء هم أهل الشوكة والقوة وأهل القراءة والكتاب و تابعين تتوزعهم اختصاصات محددة من رعاة للحيوانات ومزارعين إلى صناع للآلات والأدوات المختلفة إلى مغنين ومشتغلين بالمسيقى والإنشاد والطرب،ثم تأت الفئة السفلى في الهرم الاجتماعي وهي الأرقاء والمنحدرين من أصول مر عليها الرق  فهؤلاء الأخيرين جميعا يشملهم إسم العرب السمر "الاحراطين"
ولقد كان يكفي بلدنا من الأعباء الثقال والصعاب والآلام الشديدة التي سيتجشمها في الصراع القاسي ضد الأمراض البنيوية التي رافقته من الماضي والتي يتحتم التقلب عليها وتجاوزها لضمان الاستقرار والأستمرار، فبدون تمتين أواصر الوحدة بين مكون العرب والزنوج لن يستمر لنا وطن نسميه موريتانيا، وبدون إنهاء الرق كلية ومعالجة مخلفاته وإنهاء مفاعيل التراتبية الظالمة وإحلال المساواة التامة في القيمة وفي الفرص والادوار فلن يصبح لنا وطن موحد خالي من الأمراض المهلكة.
لم يكفيه محاربة تلك المشكلات البنيوية الصعبة وإنما انضافت لها الأمراض الجديدة تلك العادات والسلوكيات التي ولدت وترعرعت في مرحلة قيام الدولة الحديثة والتي نمت كالسرطان وهي :
أولا: تدني روح المسؤولية لقد تفشى الإهمال وعدم المسؤولية وصار الجميع يتنافسون في تدمير البيئة وتجريد الأرض من غطائها النباتي وإبادة الحيوانات البرية والطيور لقد حدث من العبث بالمحيط ومن عدم رعاية واهتمام بالممتلكات مايصعب تصوره فالأكثرية تصرفت وكأنها في أرض لاتعنيها.
ثانيا: سوء التسيير واستحلال المال العام واعتباره مشاعا لمن قدر على نقله وأصبح التمول السريع بسبب الاختلاس شائعا واعتبرت المسألة عادية ومقبولة بل مطلوبة ومن لم ينهب المال العام يعتبر ناقص العقل والرجولة.
ثالثا: شاع النفاق والتملق بدرجة تجاوزت كل معقول وأصبح النفاق هو الكفاءة والجدارة والوسيلة الأكثر فعالية للترقي وبلوغ أعلى المستويات إن الدرجة التي بلغها النفاق والإهمال وسوء التسيير قد أصبحت تشل الحركة والقدرة على مواجهة مجمل التحديات وسدت الأفق أمام أي تقدم ولو كان طفيفا فلم يكن ممكنا مع الإهمال وسوء التسيير نمو أو تطور، وقد حال شيوع النفاق والتملق دون استخدام الأكفاء واختيار الصالحين فالمتفنين في النفاق كثيرين والسلطات غالبا تشجعهم وتكافؤهم فترى منافقا خدم عدة أحكام بنفس القوة ونفس الحماس وتمتع فيهم بنفس المكانة فمن كان يصفق ويزعق لنظام يأخذه النظام الذي انقلب عليه كأنه غنيمة ومكسب وأحيانا يمر على نظم كثيرة !!
إن الأمراض الجديدة الإهمال واللامسؤولية وسوء التسيير والنفاق شكلت خطرا كبيرا على مسيرة البلد وعطلت كل البرامج التي وجدت وسدت الأفق عن أية رؤية فاحصة متعمقة لمشاكل الواقع ناهيك عن أي عمل مثمر وخصوصا الأعمال التي تستهدف علاج المشكلات البنيوية شديدة الخطورة التي تتطلب علاجا سريعا عميقا وشاملا، إنها أمراض شديدة الضرر لكني أرى أن أخطرها جميعا هو ( النفاق) فالنفاق هو عاصمة الشر كالكذب الذي هو فرع منه وفي كل الأمراض يوجد شيء من النفاق الإهمال واللامسؤولية وسوء التسيير وعدم الأمانة كلها تتضمن شيئا من النفاق، لقد سيطر المنافقون على مفاصل السلطة في كل مراحل حياتنا في المدى المنظور واستحال تمكين مخلصين صادقين من المشاركة وبذلك انعدم أو استحال إمكان توجيه البوصلة في الاتجاه الصحيح، وإن المشكلة دينية، ثقافية، أخلاقية، يتطلب علاجها تغييرا جذريا للشخصية بحيث تبدو بمثابة إعادة برمجة نفسية وعقلية تشبه المستحيل( إن الله لايغير مابقوم حتى  يغيروا مابأنفسهم)
إننا نحتاج دراسات نفسية وسوسيولوجية وآنتربلوجية وحتى ابستملوجية حتى نفهم لماذا، وكيف ، ومن أين، نشأت هذه الروح وهذه النفسية الحرباوية التي لا تعرف للمبدئ وللصدق وللنقاء وجودا ولاتعرف الاستقامة والثبات ولا تعيرهما أهمية !!
لو كتبنا ماكتب الجاحظ عن البخلاء ماستطعنا إيراد ما اطلعنا عليه من أساليب المتملقين لقد شهدت بعد الإطاحة بنظام المختار وكنت في مسيرة تزعم أنها تدعم الأنقلاب فإذا أنا بشاب كان من قيادة شباب حزب الشعب ومن البارزين جدا فقال لي دون مقدمات لم نكن نؤيد المختار بل كنا نستفيد معه!! هذا الرجل لعب أدوارا بارزة في الأحكام التي توالت على السلطة بعد ذلك ولايزال مهما وشهيرا ورأيت رجلا آخر كان يشرف على الربط في حفل معقود لمعاوية في مدينة جغني وكان هذا الشخص من الذين يدعون الثورية فقام بموجة من التمجيد والمدح لمعاوية حتى جعل معاوية يضحك وليس سهلا عليه الضحك، ورأيت الشخص نفسه بلغ مع محمد ولد عبد العزيز مالم يبلغه كعب ابن زهير مع المصطفى صل الله عليه وسلم مدحا وكان يرفض تركه للسلطة، ورأيته بعد ذلك يبعث بشذرات من مدائحه ولطائفه لغزواني ولا أعلم ماذا في جعبته لمن يأتي بعد؟!!
الأمثلة كثيرة ومعروفة والغريب أن السلطة دائما تشجع هؤلاء وتكافؤهم بحيث أصبح  الأمر يشكل عقدة لاحل لها وأصبح مجتمعنا مع كل مشاكله الكبيرة والصغيرة غير قادر على أية خطوة في الأتجاه الصحيح بسبب مشاكل تقيده على رأسها ترسخ وتعمق النفاق وتوابعه من الكذب وعدم الأمانة واللامبالات.
لقد اكتشف الرئيس معاوية حقيقة المنافقين ضعفهم ولا جدوائيتهم، عند محاولة صالح وشيخن وصحبهم فقام بالتخلص من طاقم كامل من المتنفذين الكبار ولم يبقى يثق إلا بالصغير بن امبارك الذي كان في الخارج آن ذاك وصرح تصريحا يوضح ثباته مع النظام فكان ذلك سببا في استمرار ثقة معاوية به واكتشف محمد بن عبد العزيز الذي قضى عشر سنوات في السلطة حقيقة المنافقين تذبذبهم وتنكرهم وجحودهم بعد أن أصبح خارج السلطة وتخلى عنه من أطعمهم وكساهم ومن فائض خيره أعطاهم وأغناهم، قهل يدرك الرئيس محمد بن الشيخ محمد أحمد بن الغزواني حقيقة النفاق والمنافقين؟ ويسعى لخلق طاقم من بقايا الصادقين من القوة الحية الواعية يتسم بشيء من الصدق والأمانة وبعض خصال الخير ليشركه في بحث وعلاج أمور كثيرة يتوقف مستقبل البلد على علاجها و وجود حلول مناسبة لأكثرها أو كلها؟ أم أننا مستمرون مع المطبلين والمصفقين ماستمر خوض وابليس ( خوض وابليس كرد ذالفن.. ويعن ابليس خوض ماعن)نسأل الله السداد والرشاد وحسن العاقبة... 

 

6. يناير 2022 - 9:50

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا