يحتار المتتبع للكتابات في المواقع الافتراضية، كما في وسائط التواصل الاجتماعي،، من تعدد الأسماء التي وصلتنا عبر كتابة أحد المورخين، أو الكتاب الوطنيين في توصيفهم لبلادنا، غير أن اللافت للانتباه، أنها كانت تعريفات أولية، ثم صارت تقييمات كيفية، اشبه بمادة اختبارية لقياس المزاج النفسي للمتلقي تجاه واقعه اليومي، ووعيه السياسي، والثقافي، والحضاري،، وقد يقول قائل، وما الغريب في الاأمر؟
إن معظم مجتمعاتنا العربية الحالية، عرفت مراكزها الحضارية، تحولات كبيرة في التاريخ البعيد، والقريب الى حد ما، وهي تحولات يستحضرها الكثير من المواطنين، كمصدر للأعتداد، وتوجيه الوعي الحضاري، ولا بأس من تعويض البعض عن كوابيس الواقع بخيلاء الأحلام الوردية عبر الإحالة الى تلك الحقب المعبرة عن الازدهار في تاريخنا العربي في أزهى حقبه النهضوية،، والسؤال الاستقصائي حول مؤشرات الهوية في وجه الشبه بين استرجاع الوعي بالذات الحضارية، وغيابه فيما تستحضره الذاكرة من تلك الأسماء اللامحددة لهوية بلادنا؟
لعل لهذا الاسماء سحرها على البعض، او قل مخدرها الذهني إن شئت، نظرا للتمسك بها نظرا لما تشير اليه من رمزية الاطلاع، والتبحر المعرفي، لأن التعريف " كذا "، ذكره المؤرخ فلان، كما أن التعريف " بلادنا كهمزة الوصل" الذي اطلقه رمزنا السياسي، أيام كان قدوة لنا جميعا، وقد تبدلت الاحوال، ورغم ذلك، فلا زال الكثير يستحضر تلك الحقبة الغابرة بمقولاتها، ويرددها، كما الاغنية الوجدانية، والتشبث برموزها اللفظية، بقدر ما يمسك من الهواء بين كلتا يديه، احباطا من استرجاع ذلك النظام السياسي ذي التعريف غير المسبوق.
بينما تعريف " مجتمع البيضان" يستنجد بعض الكتاب الوطنيين به من جهة احساسهم باضمحلال، أهم رموزالمجتمع، كمواضعاته، ومنظومته القيمية، وفاتهم أن ذلك، يعكس التطور البطيء في مناحي الحياة الاجتماعية،،غير أن من الناشطين السياسيين، ما هو طلائعي على مستوى رؤيته للعالم، لكنه يحرص على الثبات لحاجة في نفسه، لأن تيار التطور سيقضى على المكانة الاجتماعية في "هرمية" المجتمع الهلامية، لتصبح في خبر كان، وذلك من سنة التجاوز غير المستساغ، و لا المستوعب،، وهنا كان اللجوء الآثم الى المنطق التبريري، لكون الأمور إيذانا بزوال " مجتمع البيضان"، الوحدة الاجتماعية الكبرى المقسمة بين اربع دول: موريتانيا، مالي، النيجر، الجزائر.
أما تعريف " بلاد شنقيط"، فرمزيته الجذابة، أنه جسر للتواصل بين نهضة فكرية مطلوبة، ومصادرها، أوالياتها الثقافية المنتجة في القرن الثامن عشر.
# ـ وفي الانتاج الأدبي، تطالعنا الرواية الموريتانية برمزيتها المخفية "للهوية " في مجاهيل الايحاء الشعري في السرد الروائي، ولكن ذلك لم يعكس ضرورة "صدمة" الحداثة فى الفكر السياسي الوطني الذي دفنه الخطاب الروائي في المساحة الرمادية، ربما الى حين ينضج الوعي العام بمعزل عن الانتهازية النخبوية، أو يتغير الواقع المجتمعي، فيحدد هويته بظاهر القول المعبر عن الأصالة والمعاصرة..لاغيا الترميز، ومظاهر التخفي في عصر المعلوماتية..
ولعل من الصعوبة بمكان معاينة الهوية في الخطاب، ودلالاته، والأمر يحتاج الى توضيح، لأن تلك الاسماء المتداولة، معظمها اقصت الإطار العام، بينما السرديات اختزلته في التفاصيل الجزئية في المشاهد، غير أن المشترك بينها، هو ما تحمله من معان لجلد الذات المجتمعية، واقصاء ضمير "الأنا" المجتمعية في تحديد هوية البلاد في الحاضر، كما في التاريخ، حتى إن المرء ليحسب أن مضامين تلك المقترحات، هي بمثابة المداخل المهجولة لمدفنة، مقبرة للتخلص من سوداوية الأحقاد، اليأس في النفوس، التحسر، التشاؤم من موقع ما في بلادنا العزيزة الموصوفة بتلك التعريفات المجحفة ،، إنما التعريف يتجاوز البيئة المحلية للواصف الى الوطن بكل ابعاده الجغرافية، والتاريخية، والثقافية في وعي غير مدرك لمحمولات: الهوية الجامعة، الدولة، النظام السياسي، المجتمع العام، الثقافة العامة "الهجينة" ـ قال البعض ـ والاعراف الاجتماعية بخواصها المشتركة المتبيئة مع المسارات الثلاثة:المناخ، المكان بتضاريسه، الطقس اليومي بتقلباته، بما لها من وظيفة التكيف، والتوجد الحضاري، وتنمية العقل الجمعي، بل صيانته في ثلاجة الزمن للمحافظة على ما أدخر مجتمعنا هنا من تراث ثقافي، كذاكرة حية راكمت المنتج المعرفي، والأخير يحاكي احيانا رذاذا منعشا، وطورا يلاحقه جفاف الصحراء،، فالأول يتناثر استجابة للمتلقي، فيستنبت شذرات النماء الفكري خلال عشرات السنين،، والثاني، يغيب، يحجب الفكر في سبات طويل، كما لو أخذته سنة نوم لإراحة اعصابه، فاضطر ليتوسد سناما حادا، ويفترش المفازات المقفرة..!
وهل من يطلق الآن تلك الاسماء، يفكر بكامل عقله، أو يطلقها، ولسانه يترنح منفلتا من قيود التفكير، وعاطفة المشاعر؟
# ـ وهذا يردد " المنكب الرزخي" بشحنة المفجوع، وبسوداوية، أدمت قبله سخطا على زمانه، وقد افتقد التقدير لمجتمعه، وربما كان ذلك لسوء التدبير الخاص، ويئس من تحسين الأحوال، فاستودع زفراته الحارقة في اللامكان، خارج أفق الزمن، فاستعار الاسم من تحسسه لنتوء مفصل ذراعه ..!
أما الأغرب في الأمر أن يظلم الناس حاضرهم بهذه الالقاب باعتبارها نياشين يتسابق المتحذلقون من المثقفين لتعليقها في أرنبة اسمائهم، وطورا يشنفوا آذانهم بها، فتداولوها في منشوراتهم الأسبوعية في وسائل التواصل العامة ،،!
# ـ وذاك، يذرف دمعة حزنه على " المنتبذ القصيي"، متناسيا ما يحيل إليه اللفظ من ظاهر حال الأجرب المنبوذ الذي عانى من ابتلاء ذي النون تحت شجرة اليقطين، وقروح أيوب الجسمية،، ولما ضعفت حيلة صاحبنا، ندب حظه، واستودع في الاسم زفراته ليلتقطها غيره ك"علكة" يرطب بها اللسان، ويكتبها في منشوراته في المواقع،، وكم فاته من حكمة التفاءل، وقد أمر رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، بالتفاؤل، كما استن لأمته تغيير الاسماء السيئة لفظا، او معنى بالاحسن منها..
# ـ ويتجلى تغريب الهوية في عناوين الرواية الادبية في رمزية شعرية خارج حقلها، وهو ما زاد من غموض الهوية ، لكن هل هذا ما قصده الروائي، او تقصده الكتابة، حتى في العناوين: " الاسماء المتغيرة"، للتعبير عن الإحباط من تغيير لواقعنا،و لما يزل في" مكانك در"، و" القبر المجهول"، بل المعلوم الذي استنطقه السارد لاسترجاع مظاهر من حياة مجتمعه، ونتف من تاريخه في تتبع الحكايات المتخيلة بعد انتزاعها من شريط الذكريات " لمن احتضنته السنين"، كان حلمه المعرفي مليئا بالصور المخدوشة عن مناشط مجتمع الأمس القريب خلال الترحال، واختزال الزمن ـ التاريخ في الرحلات التجارية التي قايضت الملح بالعبيد، وتارة بالاولاد، لتصبح الحاجة الى " الشيء"، مبدأ المساواة للنوع البشري ـ عبد ولود ـ فرفعت من الدرجة في السرد الأدبي الشيق، لكن ذلك " المبدأ لم يكن موضوع اهتمام النشطاء السياسيين، لقراءة الظاهرة في تاريخها، وفهمها في حاضرها،،ولعل الأمر أخفاه الاستغراق في الرمزية الغرائبية التي اعمدتها الروائي، كتقنية فنية لتحديد المحدد باللامحدد، ك" هواجس المجهول الرهيب ـ التي ـ تنهشني من كل جانب" في الاسماء، الوصف، المعرفة، الهوية، المكان، وقد يكون لهذا الموضوع في الروايتين مراجعة لاحقة مطلوبة للكشف عن المعلوم في المتغير، والمجهول معا.؟
# ـ والسؤال الذي يطرح بحثا عن الاجابة عنه، هو متى سنبقى نتعاطى إثم التنابز بالالقاب، سيئة الالفاظ، والمعاني التي نطلقها على بلادنا، ما لم يقتنع المثقف بهويته الجامعة المعترف بها وطنيا، وعربيا، واقيميا، ودوليا الى حد الآن، أن الأمر يحتاج الى غرائب الصدف، كتوقع، أن يأتي الله بقائد عربي فذ، فيقترح علينا تبديل الهويات المجهولة بأخرى معلومة، كما فعل جمال عبد الناصر في تغيير اسم حافظ نعجة بحافظ الأسد رحمهما الله تعالى على حسن الاقتراح، والاستجابة له،، ؟
ولماذا لا تقام حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لتغيير الاسماء التي لفظها "فم الزمان" ـ دون تبسم على عكس ما قال الشاعر ـ في غفلة منا، ليقع الاختيار العام، على غيرها، وليكن معبرا عن روح الجمال، وعاكسا لطيف الصحراء الجميل، وعلو الهضاب، والتلال، وتفاؤل ساكنة واحات النخيل التي تعانق الانسام بوشاحها الأخضر على مر العصور، وكأنها في تحدي لذلك المناخ الجاف، وخداعه الماكر الذي يفاجئ به من حين لآخر الهضاب، والوديان، حيث تغيب المشاهد، وتتوحد الطبيعة على مبدأ المصابرة، مجاراة لجلمود الصخر في الجبال الشامخات، وكأن لكل ظرفية اجتماعية معطاها البيئي، والعكس وارد، غير أنهما يشتركان في انتاج، وتوزيع العاطفة الإنسانية الجياشة التي تقتبس من دعابة الضميرالعاطفي، و دفء العناق الحميم للبحر، واعترافات امواجه المتبتلة لشواطئ الصحراء الذهبية..؟!
ألا تترك تلك الطبيعة بجمالها، انطباعا ينعكس على الذائقة الحضارية، فتعبر عنه في المظاهر اللفظية، والتفاؤل المعنوي، أو أن الأمر سيتطلب التدخل المتعسف من الجهات الرسمية، لتغيير اسم بلادنا في السجلات الذهنية، فتنزع المفاهيم " الرثة"، وتختفي على غرار النسبة " ولد " من اسمائنا؟