عَكَسَ الأمر القضائي رقم: 008/2022 لقطب التحقيق المختص بجرائم الفساد الصادر بتاريخ 7 يناير 2022 والقاضي بالإفراج المؤقت عن الرئيس السابق المتهم، ووضعه تحت المراقبة القضائية لمدة شهرين تجدد تلقائيا ثلاث مرات ما لم يصدر أمر بخلاف ذلك، وإخضاعه للإلتزامات القانونية المرعية في مثل هذه الظروف -عَكَسَ- استقلالية القضاء وحرصه على تأمين أفضل الظروف للمتقاضين مهما كانت تهمهم، فقد ألزم القرار المتهم بعدم القيام بأي نشاط (يمكن أن يؤثر على صحته أو يؤدي إلى مضاعفات أو إرهاق ذهني أو بدني) وألزم الفريق الطبي المنتدب لرعايته باتخاذ كافة الإجراءات من أجل تأمين الرعاية الصحة التامة للمتهم في وضعيته الجديدة.
ونظرا لما أثاره ويثيره فريق الدفاع عن المتهم من لغط ولما يجنح إليه من تسييس لملف قضائي بامتياز يحق للرأي العام الوطني أن يطلع على الوقائع كما هي لا كما تحاول بعض الأطراف تشويهها لغايات شعبوية.
المجريات والوقائع الملموسة
من الواضح أن النظام الحالي بقيادة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني حرص كل الحرص ومنذ اللحظة الأولى على تجسيد الفصل الفعلي بين السلطات ولم يتدخل مطلقا في الملف لا في مرحلة اللجنة البرلمانية حين كان ملفا رقابيا تشريعيا، ولا في المرحلة الثانية حين أصبح ملفا قضائيا، ففخامة الرئيس هو حامي الدستور الساهر على فصل السلطات وعلى تكريس دولة الحق والقانون وهو أشد الحريصين على إبعاد أي تدخل سياسي وعلى إبقاء الملف في أبعاده القضائية الخالصة حتى أنه في سابقة جمهورية بالغة الدلالة تخلص من بعض وزرائه المرتبطين بالملف حتى يتسنى لهم التفرغ للدفاع عن أنفسهم وحتى يقول القضاء كلمته بحقهم تبرئة أو إدانة.
وقد حرصت السلطات العمومية على عدم التدخل نهائيا في الملف ملتزمة حياله بالمساطر القانونية المرعية في مثل هذه الحالات مجسدة فصل السلطات واستقلالية القضاء.
ويجدر في هذا السياق التوقف عند اكرونولوجيا الوقائع المتعلقة بالوعكة الصحية الأخيرة التي ألمت بالمتهم الرئيس السابق على ضوء الأوامر الصادرة عن قطب التحقيق المتخصص بجرائم الفساد وبيانات الطبيب المختص الذي اختاره المريض بنفسه:
- في 27 ديسمبر 2021 طالب السجين الاحتياطي الرئيس السابق مسير السجن الذي يوجد فيه باستدعاء طبيب محدد لمعاينته حيث حضر وقابله واطمئن على حالته الصحية، وقرر إجراء فحوص طبية غير مستعجلة خلال 48 ساعة اللاحقة.
- في 29 ديسمبر 2021 تم إبلاغ قطب التحقيق المتخصص بجرائم الفساد من طرف مسير السجن بالمدرسة الوطنية للشرطة بتعرض المتهم لوعكة صحية تبين لاحقا بعد تعميق الفحوص أن لها علاقة بماضيه الصحي نقل على إثرها للجناح الرئاسي بالمستشفى العسكري وتم الكشف عليه من طرف أخصائي القلب والشرايين الدكتور أحمد ولد أبه.
- بناء على التقرير الطبي الصادر عن نفس الطبيب بتاريخ 31 ديسمبر 2021 صدر الأمر رقم 135/221 القاضي بنقله للمركز الوطني لأمراض القلب واتخاذ كافة التدابير المناسبة بما فيها انتداب فريق طبي يضم أفضل الخبرات الوطنية التخصصية في المجال للإشراف والمراقبة الطبية واتخاذ كل ما يلزم من رعاية وتقييم حالته الصحية باستمرار.
وقد تشاور الأطباء المنتدبون مع المريض وأبلغوه طبيعة العلاج ووافق عليه.
- أصدر الفريق الطبي بتاريخ 5 يناير 2022 تقريره المتضمن خضوع المريض لفحوصات معمقة ولعمية قسطرة علاجية ناجحة وتضمن التقرير رأي الفريق المتعلق بأنه بعد خروجه من المستشفى يجب أن يلتزم بحمية غذائية خاصة ويتبع نمط حياة هادئ وخالي من مسببات القلق والضغط النفسي مع ممارسة متوسطة للرياضة.
- أعطت النيابة العامة بتاريخ 7 يناير 2022 رأيا مؤسسا على التقرير الطبي تطلب بموجبه الافراج عن المتهم بحرية مؤقتة مع إخضاعه لمراقبة قضائية وتدابير صحية صارمة.
- على ضوء كل هذه المعطيات أصدر قطب التحقيق المختص بجرائم الفساد الأمر القضائي رقم 008/2022 القاضي بالإفراج عن المتهم ووضعه تحت رقابة قضائية لمدة شهرين تتجدد تلقائيا ثلاث مرات ما لم يصدر أمر بخلاف ذلك.
- تنفيذا للأمر القضائي سمح للرئيس السابق بالانتقال لمنزله بلكصر وهو على تواصل مع أسرته وفريق دفاعه ويخضع لعناية مكثفة من الفريق الطبي المنتدب لمتابعة وضعيته الصحية.
يعكس تسلسل الأحداث العناية البالغة التي أحيط بها الرئيس السابق ويحاط بها كل مواطن في مثل هذه الظروف دون منة أو مزايدة ويعكس سرعة ونجاعة التدخل الطبي والمستوى الجيد الذي وصلت إليه الخدمات الصحية المتخصصة في بلادنا في ظل دولة العدل والتآزر وخدمة المواطنين بصدق وشفافية وإخلاص.
فريق الدفاع يغرد خارج السرب
في الوقت الذي تثمن فيه كريمة الرئيس السابق ظروف علاج والدها وما أحيط به من عناية طبية مكنته من تجاوز وعكته الصحية في أفضل الظروف يستمر فريق الدفاع مغردا خارج سرب المجريات القانونية والطبية والأهلية في محاولة غير موفقة للإلتفاف على النتائج الملموسة التي تحققت بفعل يقظة القضاء وحسن أداء الأطقم الطبية الوطنية المتخصصة دون جهد يذكر من فريق الدفاع الذي يتعين عليه أن يراجع مقارباته ويدرك أن شمس المجريات القضائية العادلة لن يحجبها غربال المرافعات المضللة المسيسة المجترة من حقب ما قبل دولة القانون، فالرجوع إلى الحق أحق والحق يزهق الباطل ويعلو ولا يعلى عليه والقانون فوق الجميع.