هذه صرخة إنذار لإشعار الموريتانيين بالخطر الذي تتعرض له ثرواتهم البحرية ودعوة لإنقاذها كتراث مشترك من حق الأجيال الحالية أن تدافع عنة كما من واجبها توريثه للأجيال القادمة باعتبار طبيعته كثروة بيولوجية متجددة بالفطرة.
من المعلوم لدى الجميع أن الشواطئ الموريتانية كانت تعد أغنى أو من بين أغنى شواطئ العالم بالأسماك كما اطلع أهل القطاع ومتابعيه أن الإمكانات المسموح باصطيادها سنويا ارتفعت في السنوات الأخيرة بشكل مريب من 1.600000 طن من الأنواع مجتمعة إلى 1800000 طن (أو 1832.000 طنًا)؛ وتنقسم هذه الكمية الإجمالية إلى حوالي 500000 طن من أنواع القاع و1300000 طن تقريبا من الأنواع السطحية.
على الرغم من ذلك الماضي المجيد ومن الكرامة المتعلقة بديناميكية المجموعات (إيكولوجيا)، يبدو أن الوضع أصبح، وفقًا لمصادر مختلفة، ينذر بالخطر بالنسبة للعديد من أنواع ومجموعات ثروتنا البحرية أو بشكل عام: منظمة السلام الأخضر وبعض باحثي المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد ومهنيون يمارسون عمليات الصيد ميدانيا والسلطات الإدارية على مستوى ولاية نواذيبو، تلك السلطات التي نبهت مع نهاية العام 2020 على حالة نهب ثرواتنا البحرية من طرف أساطيل دول أجنبية وذلك بحكم مسؤوليتها عن الحفاظ على المصلحة العامة ومتابعتها ومراقبتها لما من شأنه أن يكون مصدرًا لزعزعة الاستقرار.
بالنسبة للأنواع القاعية من الثروة، فمن بين مكونات الموارد التي تتعرض بالفعل لاستغلال مفرط الأخطبوط ومجموعة أسماك القاع عموما وجراد البحر الوردي(لانكوست)؛ وإذا لم يتم تلافي الوضع بشكل حقيقي فإن نفس المصير ينتظر مكونات الثروة القاعية الأخرى وعندها ستحل ببلدنا ـ لا قدر الله ـ كارثة لا أحد يستطيع تقدير حجم انعكاساتها السلبية الاقتصادية والاجتماعية وربما السياسية. ومن أسباب هذه النظرة المتشائمة حقائق علمية وفنية منها أن التنوع البيولوجي كبير في المناطق المدارية (tropicales) مما يتنج عنه غالبًا تداخل موائل الأنواع في المناطق الشاطئية لا سيما أثناء فترات التكاثر وبالنسبة للأحداث (juvénils) ثم خلال فترات هجرات موسمية معينة، ومن المتوقع أن تتفاقم تلك الهجرات مستقبلا تحت ضغط الصيد وتأثير تغير المناخ.
أما بخصوص الأنواع السطحية فإن مقولة ``الأسماك السطحية الصغيرة هي مستقبل موريتانيا'' قد لا تصدق في ظل سياسات تجاهلت حتى الآن دور جهد الصيد في تسيير الثروة والانتشار الجنوني واللامبرر لمصانع دقيق أو مسحوق السمك وزيته ثم تضارب آراء الخبراء والإداريين حول استغلال أسماك السطح المشتركة والمهاجرة حيث يوجد من يقول "خذها ولا تخف ولا تحزن" أي ما معناه إذا لم يصطاد الموريتانيون أسماك السطح في مياههم فسيتم اصطيادها من قبل السنغال والمغرب المجاورين.
وأمام ما سبق ذكره من عوامل هدامة تجعل استدامة الثروة البحرية في خطر ومصدر قلق مشترك لدى الجميع، نرى وزير الصيد الحالي يدعي أنه على دراية تامة برهانات وتحديات قطاعه ويعلن رسميًا عن رغبته في وقف الفوضى والعمل على ترك نتائج إيجابية تجعل الجميع يتذكر فترة وجوده على رأس هذا القطاع الهام والذي عانى كثيرا في السابق من بطش أهل الفساد وأعوانهم. ويعتمد سيادته في صدد في تحقيق طموحاته النبيلة هذه على استراتيجية قطاعية جديدة للفترة 2022-2024 وعلى الفريق المحيط به كعصاة سحرية أو كنوعً من التمائم أو التعويذات.
بالنسبة لي شخصيا، وكموظف في هذه الوزارة منذ 1990وشاهد على أشياء كثيرة، فإن الحل الذي من شأنه تجنب انهيار مواردنا البحرية يمكن في إجراءين أولهما كشف هوية مجموعات الضغط بالأسماء تلك اللوبيات التي كانت دائمًا تفشل أي محاولة للإصلاحات وتحول دون تحقيق العدالة الاجتماعية في القطاع؛ ويعني هذا الإجراء نشر قائمة شاملة (أ)لملاك السفن التي يقال أنها جنست موريتانية زوراً وبهتانا و(ب) لأصحاب مصانع مسحوق وزيت السمك و(ج) شركات معالجة منتجات السمك التي تعمل وفقً ترتيبات قانونية أو شبه قانونية مماثلة للحالات سابقة الذكر أو لا تختلف عنها كثيرا.
أما الإجراء الثاني فهو اتباع الحبل السري الذي يقال إنه يربط أعضاء هذه اللوبيات بكبار الشخصيات من المدنية والعسكريين في جهاز الدولة ومن برلمانيين وقادة أحزاب سياسية ولربما بمتواطئين أجانب.
وفي حال (وإذا ما) اتضح أن هذه الافتراضات المتعلقة بوجود أولئك الحماة في هرم السلطة للوبيات الفساد صحيحة، فسيتعين على مواطنينا التوقف فورا عن إلغاء اللوم أو تجريم الصينيين والأتراك والأوروبيين (الاتحاد الأوروبي) أو أي شريك تجاري ومالي آخر كما سيحق لكل شخص خارج هذه اللعبة القذرة أي يقول لبقية مواطنيه "لوموا أنفسكم إذ إخوانكم في النسب والدين من الموريتانيين هم الجناة الحقيقيون"!