خلافا للتفسيرات التي يطرحها بعض المراقبين المحليين من أن الهدف من اتصال الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "سيدياو" الرئيس الغاني نانا آكيفو آدو بنظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني و إرسال وزيرة خارجيته لاحقا لموريتانيا ، يأتي كمحاولة من المنظمة الإقليمية الإفريقية لدفع بعض الأطراف من خارجها للضغط على انقلابيي مالي لثنيهم عن الاستمرار في الفترة الانتقالية التي أعلنوها مؤخرا، والمتثلمة في البقاء في السلطة لخمس سنوات ، فإن الواضح هو خلاف هذه الصورة. ف"سيدياو" تهدف من خلال هذه الاتصالات لتفعيل عقوباتها على مالي و تضييق الخناق على السلطات الانتقالية بتوسيع دائرة دول الحصار على مالي.
فلا تعدم "سيدياو" قنوات أكثر إقناعا و تأثيرا من داخلها على السلطة الانتقالية بمالي إن هي أرادت فتح مسارات للتفاوض مع الانقلابيين، فالرئيس السنغالي ماكي-على سبيل المثال- يعتبر من أكثر زعماء المنظمة مرونة تجاه الانقلابيين و بلده اكبر متضرر من وقف الحركة التجارية مع باماكو، و هو مهيأ للعب دور وساطة أكثر من غيره لو أن قادة المنطقة أرادوا ذلك.
كما أن المنظمة لديها حساسية مفرطة من تدخل الدول غير الأعضاء في المشاكل و النزاعات الخاصة بالدول الأعضاء، و تأخذ في الأصل على موريتانيا و تشاد تأسيس مبادرة الدول الخمس بالساحل و التدخل في الأزمة دون تنسيق مع "سيدياو".
و من الوارد هنا الإشارة إلي السياقات التي تنزلت في هذه العقوبات، فهي تأتي في اللحظة التي عرفت فيها علاقات مالي ب"سيدياو" مستوى كبيرا من ضعف الثقة وصلت حد طرد باماكو للممثل المنظمة، كما أن حكام المرحة الانتقالية تعاملوا بكثير من الاستهتار و الاستكبار مع الفرص التي منحتها المنظمة للخروج من الأزمة، لذا فإن المنظمة تستبطن في هذه العقوبات جوانب ردعية تأديبية جراء السلوك المتغطرس لمجموعة الضباط الشباب الذين يحكمون البلاد بعد إحكام قبضتهم العسكرية جراء انقلابين في أقل من سنتين.
إذن ليس واردا أن يكون الهدف من تكثيف "سيدياو" لاتصالاتها بنظام نواكشوط هو السعي لتسوية سياسية مع حكام باماكو، بقدر ما هو تأليب نواكشوط على سلطات باماكو و مسايرة عقوبات المنظمة، خاصة أن موريتانيا تعتبر أحد الشرايين المغذية اقتصاديا لمالي، و يعتبر ميناء نواكشوط المستقل أحد الروافد التجارية لمالي.
و ستجد نواكشوط الطامحة في الفترة الأخيرة لمزيد من التصالح و التقارب مع "سيدياو"، التي غادرتها سنة 2000، حرجا كبيرا في التعاطي مع مطالب "سيدياو، و ذلك في الوقت الذي لا يزال ملف قبول عضوية موريتانيا كمراقب في المنظمة قيد الدراسة. فمن ناحية أي رفض للتماهي مع عقوبات المنظمة قد يؤثر سلبا على ملف عضوية ب"سيدياو" في المستقبل، و في المقابل فإن انخراط نواكشوط في حصار مالي قد تفقدها فرصا و مكاسب إستراتيجية مهمة كتعظيم ميزان التبادل التجاري مع مالي و الاستفادة من نشاط الانتجاع بمالي التي تعتبر وجهة مفضلة للكثير من المنمين الموريتانيين، و أي توتر لعلاقات البلدين ستكون له حتما تأثيرات كبيرة على حركة المواشي الموريتانية في الأراضي المالية، و هو ما سيشكل ضغطا كبيرا على المراعى الموريتانية المنهكة هذه السنة بفعل ضعف التساقطات المطرية و الحرائق.
و أينا يكن، فإن نواكشوط بحاجة لاعتماد مقاربة مركبة للتعاطي مع الموضوع بعقلانية كبيرة لا تغضب "سيدياو" من جهة، و لا تكون من جهة أخري جزءا من حصار اقتصادي خانق على مالي، و اقرب سيناريو قد يتبلور في هذا الموضوع هو أن تحافظ موريتانيا على علاقتها التجارية و الاقتصادية بباماكو، و تنحاز في المقابل للمحور الدبلوماسي المغاضب لمالي في مواقفه التي لا تحمل بعدا عقابيا. و الواضح أن نواكشوط في هذه النقطة لديها مآخذ على بعض تصرفات حكام المرحلة الانتقالية بمالي، من أبرزها ملف استقدام المرتزقة الروس، و قد عبر عن هذا الرئيس الموريتاني في مقابلة صحفية سابقة مع جريدة فرنسية.