منذ عدة أشهر و نحن نتوقع ما حصل أمس للشعب المالي الشقيق و ماسيترتب عليه اقتصاديا إثر الحصار الذي فرض عليه حيث كان متوقعا أن تستغل الدول الأربية آلية دول غرب إفريقيا لتضييق الخناق على الشعب المالي حتى ينصاع للسياسة الأربية في المنطقة. هذه الأزمة تعطينا دروسا وفرصا قدلاتتكرر كي نبني تقاربا متلاحما اقتصاديا و صناعيا و تجاريا بين شعبينا يكون فيه ميناء انواكشوط القاطرة الأولى بإنشاء قطب اقتصادي و صناعي مشترك لبلدينا تجسيدا لقرارات السلطات العليا التي لن تتأخر في مواكبة هذا التحول الهام لبلدنا. حيث يتمتع الآن ميناء انواكشوط بوضعية تنافسية مريحة و قدرات كفيلة بتعويض حوالي ثلاثة ملايين طن تمر بموانئ آبدجان و داكار لصالح الجارة الشقيقة مالي. فعبر ممرين طرقيين بين داكار و باماكو يبلغ طول الجنوبي منهما (كدوكو) حوالي 1225 كم في حين يبلغ الآخر مرورا بكيديرا حوالي 1382 كم، عبر هذين الممرين ينقل أكثر من 2,6 مليون طن من البضاعة بوتيرة 400 شاحنة كل يوم و أزيد من 500 مليون دولار أمريكي للسنة يولدها نقل البضائع بالشاحنات، ناهيك عن الانعكاسات المتعددة على كثير من القطاعات و الولايات لتوفير الخدمات المختلفة لهذا الكم الهائل من الشاحنات و الأعمال المرتبطة بذلك بصفة مباشرة و غير مباشرة مما سيولد عمالة هامة و قيمة مضافة معتبرة للاقتصاد الوطني. سيما أن طريق انواكشوط باماكو (حوالي 1432 كم) لايزيد عن ممرات داكار باماكو بفرق شاسع يؤثر على تكلفة النقل. بل إن تكلفة النقل قد تكون أقل نظرا للإمتيازات الممكنة كتخفيض رسوم العبور و الجبايات البلدية و المحلية و المتعلقة بقطاعات معينة. إذ أن مختلف هذه الرسوم قد يمثل عبئا ثقيلا في بعض دول الجوار. إن ميناء انواكشوط يمكن أن يكون قاطرة دفع بدعم من الإرادة السياسية للبلد و قرارات السلطات العليا في اغتنام فرصة التلاحم مع الشعب المالي الشقيق و استغلال وضعية ميناء انواكشوط الاستراتيجية كبوابة للمنطقة للولوج إليها من كل بقاع العالم و خاصة الأشقاء في الشمال الذين أبدوا استعدادهم بتلهف متميز في توطيد العلاقات التجارية و الاقتصادية والصناعية بين البلدين سعيا إلى الوصول إلى أسواق الدول الأفريقية. إن قيام اتفاقيات ثنائية بين انواكشوط و باماكو من جهة و انواكشوط الجزائر من جهة، و حتى ثلاثية بين البلدان الثلاثة يمكن أن تعطي قفزة نوعية لبعض قطاعاتنا الحوية إن لم تكن كلها. هذه الاستراتيجية يمكن أن تضم بعض النقاط التالية :
1- إعطاء امتيازات خاصة على مستوى الميناء و الممرات الموصلة إلى باماكو مثل امتياز الأولوية في الرسو على الرصيف و تخفيض تكلفة العبور و الخدمات المينائية و عمليات التخزين و النقل و الإعفاءات الممكنة حتى تصل البضاعة وجهتها. كماأن عامل الوقت أساسي حيث يتفوق مثلا ميناء آبدجان بأربعة أيام على ميناء داكار (6 أيام) و من المعلوم أن كل يوم يولد تكلفة إضافية على البضاعة. إن هذه الإمتيازات قد تمثل عصفورين بحجر واحد حين تشمل الأشقاء الشماليين فيتضاعف مردودها على كل المستويات.
2- إنشاء منطقة حرة مشتركة بين البلدين لتقريب و انسيابية الخدمات و الصناعات التحويلية و التحضيرية في عمليات التوريد و التصدير و العبور، خاصة أن ميناء انواكشوط لديه السعة و الجاهزية لإنشاء قطب من هذا النوع على مئات الهكتارات خدمة لكل دول الجوار شمالا و جنوبا.
3- إنشاء مؤسسة مشتركة لنقل المحروقات تضمن سلامة و توفير هذه المادة الحيوية. هذه المؤسسة يمكن أن تضم مساهمين من مختلف الفاعلين في البلدين وكذلك إخواننا في الشمال الذين يمتلكون خبرة و تجربة عميقة في مجال تخزين المحروقات و نقلها. إضافة إلى المؤسسات القائمة في البلدين.
4- وضع الآليات الكفيلة بانسيابية حركة الشاحنات ضمانا للسلامة و الأمن و تقليل الزمن و التكلفة حتى تكون ممراتنا و ميناؤنا أكثر تنافسية و فعالية في كل العمليات و كل ما من شأنه دفع هذا التعاون من تطوير الخدمات الإدارية و الأمنية بمافي ذلك إنشاء شباك موحد للعبور إن تطلب الأمر ذلك و تفعيل الاتفاقيات الدولية المنظمة لعبور البضاعة و التوصيات الصادرة عن الهيئات الدولية المختصة كالمنظمة الدولية للجمارك و اتفاقيات TIR و اسطنبول وغيرها مما ينظم الأنشطة اللوجستية لعبور البضاعة.
5- دراسة إنشاء ميناء على اليابسة في نقطة الحدود مع الأشقاء الماليين حيث أن تكلفته يمكن أن تكون معقولة جدا و مقارنة ذلك مع خط سكة حديدية او همامعا. ذلك أن السكة الحديدية تتطلب تمويلا يفوق بكثير الخيارات الأخرى غير أن مردوديتها اهم و تكلفة النقل عبرها ارخص بكثير من الشاحنات. ثم إن انعكاساتها الإيجابية على كل المستويات ليست كمرور الشاحنات. كما أن إمكانية فتح ممرات أخرى مثل سيلبابي-خاي و كريه-خاي بمسافة أقل من 150كم يدعم مناطق أخرى من البلد و يوسع دائرة الإنتعاش الإقتصادي و الإستفادة و حركية البضاعة.
6- يمكن إشراك إخوتنا في الشمال إن تطلب الأمر على شكل إنشاء هيئة ثلاثية مثلا تضم الجزائر-انواكشوط-باماكو، على غرار هيئة دول الساحل، يكون مقرها في انواكشوط التي تشكل نقطة الوسط و بوابة العبور بين الشمال و الجنوب حيث أن ميناء انواكشوط يشكل خيارا استراتيجيا لمقر تلك الهئية و خاصة أن شقيقتنا الشمالية قررت تنظيم خط بحري نحو ميناء انواكشوط و أن التقارب و التعاضد بين البلدين تمت مباركته على أعلى المستويات.
إن فرصة التعاضد بين الشعبين الموريتاني و المالي أهديت لنا على طبق من ذهب بعد المضايقات و الخناق الذي تقرر هذه الأيام ضد الشعب المالي، ليبرهن التاريخ من جديد أن موريتانيا و مالي مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، و أنه يشكل امشاجا منذ وجود الحضارة البشرية في هذه المنطقة و يزداد تلاحما يوما بعد يوم، ربما بأنشطة جلها غير مصنف و غير محصور، ليري العالم طاقات الصمود و التحدي و إشعاع حضاراته شرقا و غربا و شمالا و جنوبا.
المهندس محمد عبدالله اللهاه
هاتف : 31131284
بريد : [email protected]