الجمع بين بيان الحق وتوقير العلماء..
إن توقير العلماء من أوجه توفيق الله لعباده المؤمنين، وتقدير سابقتهم في خدمة الدين، أمر لا يجحده إلا مكابر قد عميت بصيرته، وتقديمهم عَلَى غيرهم وإظهار مرتبتهم من الآداب الشرعية لطلبة العلم.
وإن لم يحصلوا ذلك جبلة ولا حازوه وراثة إلا بقدر ما كان من باب حمل العلم والقيام بحقه، فإن فعلوا حافظوا على المكانة وارتقوا إلى الدرجة الرفيعة،
قال سبحانه وتعالى: {يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. سورة المجادلة: الآية(١١).
يقول ابن جزي في تفسيره:
﴿يَرْفَعِ ٱلله ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾
"فيها قولان أحدهما: يرفع الله المؤمنين العلماء درجات فقوله: ﴿وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ صفة للذين آمنوا كقوله: جاءني العاقل الكريم، وأنت تريد رجلاًَ واحداً، والثاني: يرفع الله المؤمنين والعلماء الصنفين جميعاً درجات، فالدرجات على الأول للمؤمنين بشرط أن يكونوا علماء، وعلى الثاني للمؤمنين الذين ليسوا علماء، وللعلماء أيضاً ولكن بين درجات العلماء وغيرهم تفاوت يوجد في موضع آخر كقوله صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلاً" وقوله عليه السلام: "يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء" فإذا كان لهم فضل على العابدين والشهداء، فما ظنك بفضلهم على سائر المؤمنين".
وقال عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. سورة الزمر: الآية (٩).
يقول الآلوسي في تفسيره:
"وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ﴾ عَلى مَعْنى: قُلْ لَهُ أيْضًا بَيانًا لِلْحَقِّ، وتَصْرِيحًا بِهِ، وتَنْبِيهًا عَلى شَرَفِ العِلْمِ والعَمَلِ، ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ فَيَعْمَلُونَ بِمُقْتَضى عِلْمِهِمْ، ويَقْنُتُونَ اللَّيْلَ سُجَّدًا ورُكَّعًا يَحْذَرُونَ الآخِرَةَ ويَرْجُونَ رَحْمَةَ رَبِّهِمْ، ﴿والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ فَيَعْمَلُونَ بِمُقْتَضى جَهْلِهِمْ، وضَلالِهِمْ كَدَأْبِكَ أيُّها الكافِرُ الجاعِلُ لِلَّهِ تَعالى أنْدادًا، والِاسْتِفْهامُ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ كَوْنَ الأوَّلِينَ في أعْلى مَعارِجِ الخَيْرِ، وكَوْنَ الآخِرِينَ في أقْصى مَدارِجِ الشَّرِّ مِنَ الظُّهُورِ بِحَيْثُ لا يَكادُ يَخْفى عَلى أحَدٍ مِن مُنْصِفٍ ومُكابِرٍ، ويُعْلَمُ مِمّا ذَكَرْنا أنَّ المُرادَ بِالَّذِينِ يَعْلَمُونَ العامِلُونَ مِن عُلَماءِ الدِّيانَةِ، وصَرَّحَ بِإرادَةِ ذَلِكَ بَعْضُ الأجِلَّةِ عَلى تَقْدِيرَيِ الِاتِّصالِ والِانْقِطاعِ، وأنَّ الكَلامَ تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ المُساواةِ بَيْنَ القانِتِ وغَيْرِهِ المُضَمَّنَةِ مِن حَرْفَيِ الِاسْتِفْهامِ أعْنِي الهَمْزَةَ، وأمْ عَلى الِاتِّصالِ، أوْ مِنَ التَّشْبِيهِ عَلى الِانْقِطاعِ..".
والعلماء هم ورثة الأنبياء، ولهم شرف التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم حملة ميراث النبوة، ومنه كان الاستمداد، والاستعداد لتحمل الأمانة والقيام بالمسؤولية، وليس لأي كان الطعن في أهليتهم، أو التعدي على أعراضهم أو تسفيه آرائهم،
قال رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ الله بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)). سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ.
ثم إنه منهم من له سابقة في العلم والتعليم والتبليغ وقد بلغ من الكبر عتيا؛ فاستحق التوقير لرسوخ قدمه في العلم ولحق الكبر، فعن عبد الله بن عمرو: ((من لم يرحَمْ صغيرَنا، ويعرِفْ حقَّ وفي لفظ: ويُوَقِّرْ: كبيرَنا فليس منّا)). صحيح الأدب المفرد، أخرجه أبو داود، وأحمد واللفظ لهما، والترمذي باختلاف يسير.
ولكن بالمقابل لا يحق لمخلوق مهما بلغ من التبحر في العلوم النافعة، أن يلبس لباس العصمة، فتلك خصوصية متمحضة لمقام النبوة والرسالة صلوات الله وسلامه على جميع الأنبياء والمرسلين.
وآراء العلماء الراسخين القائمة على التأصيل العلمي وإعمال الإجتهاد، لا ضير فيها ما لم تعارض نصا صريحا غير قابل لإعمال ضوابط التأويل؛ إذ لا اجتهاد مع وجود النص، ولكن من رحمة الله تعالى بعباده أنه لا يعاقب مجتهدا على اجتهاده ما بذل الوسع، ولنا في قصة الفداء يوم الفرقان الدليل الواضح،
واستحضار فضلهم ومكانتهم مبين بالنصوص ولا قبل لأحد بالتصدي له وتلقي السهام طمسا لشمس الحق،
فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ)). ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ)). سنن الترمذي، كتاب العلم، باب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْفِقْهِ عَلَى الْعِبَادَةِ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: "سَمِعْتُ أَبَا عَمَّارٍ الْحُسَيْنَ بْنَ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ: عَالِمٌ عَامِلٌ مُعَلِّمٌ يُدْعَى كَبِيرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ".
والعلماء الذين يجب توقيرهم هم حملة الشريعة الذين عرفوا بحسن القصد وصالح العمل وصحة المعتقد واتباع منهج السلف الصالح، الذين بذلوا أعمارهم في طلب العلم ونشره وأوتوا حظا من الورع، هؤلاء لهم مكانة سامقة بين الناس، وحق على الأمة تقديرهم واحترامهم، ولهم منزلة عظيمة، ولهم صفات خاصة أولها: الدلالة على الله تعالى وثانيها: السعي نحو إقامة العدل بين الناس.
قال الله تعالى:
﴿شَهِدَ ٱلله أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡعِلۡمِ قَاۤىِٕمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾. سورة آل عمران: الآية (١٨).
قال ابن جزي في تفسيره:
" ﴿وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ﴾ عطف على اسم الله أي هم شهداء بالوحدانية، ويعني بأولي العلم: العارفين بالله الذين يقيمون البراهين على وحدانيته ﴿قَآئِمَاً﴾ منصوب على الحال من اسم الله أو من هو أو منصوب على المدح ﴿بِٱلْقِسْطِ﴾ بالعدل"
وهم الذين شهدت لهم الأمة الخيار العدول بالإمامة والتبحر في الشريعة وصدر الناس عن رأيهم ، فهم الأئمة الكبار حقا وهم المعنيون بالإجلال إذا أطلق الكلام، وكل من لديه علم ممن دونهم وقر بحسب علمه.
واستنادا على ما تقدم..نتساءل تساؤلات في محلها..
كيف لصغار الحجارة أن تنال قمم الجبال الشامخات؟
وكيف للثرى التطاول نحو الثريا؟
تلك من عويص المشكلات..
إن الأمر بتوقير أهل العلم والفضل والصلاح لا يعارض الأمر بالصدع بكلمة الحق، لوحدة المصدر والأصل والمقصد، ولكن يتطلب كل منهما التقيد بالمعايير الشرعية والتحلي بالأخلاق الفاضلة حال التوجه بالخطاب إلى المتلقي، إذ ليس من غايات الشريعة؛ التخطئة والتنابز بالألقاب والنزول إلى قاع بحر الألفاظ النابية غير اللائقة بمخاطبة ذوي الألباب.
فكلاهما امتثال وغيرهما نكوص، وتراجع كبير عن التقدم بخطوات ثابتة على طريق البناء الحضاري، وسلوك سبيل استحقاق مقام الشهادة على الناس، وهذا يتطلب الاتصاف بالعدالة والابتعاد عن خوارم العدالة والمروءة والإيمان اقتداء بسنة صاحب الخلق العظيم صلوات الله وسلامه عليه:
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلاَ فَحَّاشًا وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: ((مَا لَهُ، تَرِبَ جَبِينُهُ)). صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا.
ثم إن تبيان الحق متى ما تبين حكمه واجب في الجملة، و رَدُّه محرَّمٌ ولا يجوز ، وهو من كبائر الذنوب، ويتأكد الأمر في الفضاءات الرقمية التي يرتادها جمهور جله من الشباب الحائر الباحث عن الحقيقة.
ومع اختلاف الألسنة والمقاصد والتصورات في تحديد مفهوم الحق وحصر معاني الحقيقة، يبقى الفيصل في قياس المسافات وتقريب المباني، كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة للكتاب العزيز، فقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك،
قال الله تعالى:
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱلله حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: الآية (١٠٢).
في تفسير النسفي للآية:
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾ :
"واجِبَ تَقْواهُ وما يَحِقُّ مِنها، وهو القِيامُ بِالواجِبِ والِاجْتِنابُ عَنِ المَحارِمِ، وعَنْ عَبْدِ اللهِ: هو أنْ يُطاعَ فَلا يُعْصى، ويُشْكَرَ فَلا يُكْفَرَ، ويُذْكَرَ فَلا يُنْسى، أوْ هو ألّا تَأْخُذَهُ في اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، ويَقُومَ بِالقِسْطِ ولَوْ عَلى نَفْسِهِ، أوْ بَنِيهِ، أوْ أبِيهِ. وقِيلَ: لا يَتَّقِي اللهَ عَبْدٌ حَقَّ تُقاتِهِ حَتّى يَحْزَنَ لِسانُهُ، والتُقاةُ مِنِ اتَّقى، كالتُؤَدَةِ مِنِ اتَّأدَ،﴿وَلا تَمُوتُنَّ إلا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ولا تَكُونُنَّ عَلى حالٍ سِوى حالِ الإسْلامِ إذا أدْرَكَكُمُ المَوْتُ".
وفي محاسن التأويل للقاسمي:
"..ولا تَأْخُذَهم في اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، ويَقُومُوا بِالقِسْطِ ولَوْ عَلى أنْفُسِهِمْ وآبائِهِم..".
وذكر البغوي في تفسيره:
"وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، قَالَ مُجَاهِدٌ: أَنْ تُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَلَا تَأْخُذُكُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَتَقُومُوا لِلَّهِ بِالْقِسْطِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَآبَائِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَتَّقِي اللَّهَ عَبْدٌ حَقَّ تُقَاتِهِ حَتَّى يَخْزِنَ لِسَانَهُ".
فكيف يجمع بين قول الحق والقيام بالقسط والعدل وحفظ اللسان؟
الحق لا يعارض الحق، والاحتكام إلى الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة، مانع من الوقوع في مزالق الباطل.
ومهما تباين التصور واختلفت الآراء فلا يمكن أن تصاب الرؤية بالضبابية عند اتخاذ موقف من الظلم والبغي والقهر والحيف الواقع على خلق الله في كل شبر من أرض الله الواسعة؛ لأن حقوق المخلوقين مبنية على المشاحة، والفيصل فيها هو إعطاء كل ذي حق حقه، وإقامة العدل أمر رباني وقاعدة قرآنية،
قال الله تعالى:
﴿۞ إِنَّ ٱلله یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ وَإِیتَاۤىِٕ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَیَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡیِۚ یَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾. سورة النحل: (٩٠).
يقول ابن جزي في تفسيره:
﴿إِنَّ ٱلله يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَٰنِ﴾:
"يعني بالعدل: فعل الواجبات، وبالإحسان: المندوبات، وذلك في حقوق الله تعالى وفي حقوق المخلوقين، قال ابن مسعود: هذه أجمع آية في كتاب الله تعالى.. ﴿وَٱلْبَغْيِ﴾ يعني الظلم".
ومن آكد الواجبات التخفف من الحقوق، والتحلل من التبعات، وبث معاني الاجتماع ونبذ الفرقة، والدعوة إلى روح الشريعة، وتمثل قواعدها ومقاصدها، والاحتكام إلى أصولها، وتنزيل أحكامها في واقع الناس، ونشر معاني التوحيد والعدل والرحمة.
وجماع ما سبق:
أن الرد إلى الكتاب والسنة، والتأدب بآداب أهل العلم، والرقي بلغة الخطاب لتناسب أسلوب البحث العلمي الجاد دون تجريح أو إلقاء التهم جزافا، أو نزع رداء المهابة عن أهل العلم الراسخ، من غير تنازل عن قول الحق أو توان عن تبصير الناس بحقائق الدين الخاتم وتقديم المقدم، وتنوير العقول بأنوار الأدلة الشرعية؛
قواعد يلتزم بها لإخراج النقاش من دائرة المراء والجدل والتعصب المقيت.
ثم التباين في الآراء فرع عن اختلاف النظر من زوايا مختلفة، والتمايز في التصور ناتج عن تعدد وسائل التبصر والتقدير، وكل منهما يعتبر باعثا على الثراء والتنوع في صناعة الفكر الحضاري للأمة بشرط التقيد بالثوابت المشتركة والمرونة نحو المخالف في الرأي، ولا يكون شيء من ذلك بغير العمل وفق ضوابط الحوار المفضي إلى التعاون قبل المتفق عليه والتماس العذر جهة المختلف فيه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.