لن أكتب بأمزجة الأنظمة التي تعودت أن تبحث عن مبررات لتجاوز الأزمات نظريا دون إجراءات ملموسة.
و لن أكتب لإرضاء معارضة أحترمها جدا و أقدر دورها في خدمة المجتمع و تبني القضايا العادلة، و لا لمجارات سلطة إعلام تلك الوسائط الإجتماعية الجديدة التي أصبحت تفرض رأيها بطريقتها الخاصة. و لا لإرضاء أولئك الذين يقسمون الوطن بألوان و مقاسات متعددة.
بل سأكتب لإرضاء ربي أولا و ضميري، ثم بإسمي مواطن بسيط، سأكتب عن أولئك البسطاء، عن أولئك الذين يفكر الواحد منهم قبل أن يشتري تفاحة بكم ستكلفه نهاية الشهر من اختلال في توازن المصاريف مع المداخيل.
أولئك الفقراء الذين يمثلون أغلبية وطني، و الذين تتعاقب عليهم الأنظمة تلو الأخرى و هم في تلك المساحة الداكنة لا يغادرونها.
أولئك الذين ينتظرون زيادة 10000قديمة شهريا على رواتبهم، لتعم وجوههم فرحة غامرة تصل إلى أبنائهم و جيرانهم و ذويهم.
أولئك الذين حين يعود أحدهم بقوته اليومي يحس بنشوة فريدة و كأنه حاز الدنيا بحذافيرها.
أولئك الذين ملوا سماع كلمات السياسيين و هي تمر عليهم راسمة فقاعات أمل لا تمر عليها أيام الحملة الإنتخابية حتى تضمحل و تختفي.
لقد مرت علينا أزمات كورونا و نسخه المتعددة دون أن نمر بتلك الحالات الحرجة التي مرت بها بعض البلدان المجاورة و لله الحمد،، و دون أن ترتفع الأسعار إرتفاعا مذهلا.
و كانت تدخلات تآزر في ثوبها العام، تمثل رافعة إقتصادية و نفسية للفقراء، رغم أن أي مشروع تستهدف به الطبقة الفقيرة لا بد أن تتبعه عيون المفسدين و تحتال عليه ما استطاعت لذلك سبيلا.
و الآن ...لم يعد المواطن ينظر إلى تدخلات تآزر، و لا إلى تدشين المشاريع التنموية، فقد خنقه سعر المواد الغذائية الضرورية حتى بحت حنجرته و ضاقت عليه الأرض بما رحبت.
فلم تعد القدرة الشرائية للمواطن البسيط تتحمل الارتفاع الملفت للأسعار و الذي كان منحاه أفقيا و عموديا في نفس الوقت.
إن الإنجاز الذي ينتظره المواطن الآن، و الذي هو طلب ملح للجميع، هو ببساطة شديدة تساوي بساطة المواطن البسيط، (دعم أسعار المواد الإستهلاكية الضرورية للمواطن حتى تتناسب مع دخله المحدود جدا )، و ليس إعطاؤه سلة غذائية أو مبلغا شهريا، لن يصل إليه في أغلب الأحيان و إذا وصل لبعض الفقراء فلن يستمر معه و لن يدفع عنه فاتورة ارتفاع الاسعار الباهظة.
صحيح أنه تحدي كبير، لأنه أمر مرتبط بمصالح التجار و بواقع الإستيراد،
لكنه مطلب كبير كذلك و يرتبط بمصالح المواطنين العاديين و واقع معاشهم.
إن لسع ارتفاع الأسعار اللاذع، لن يحس به الوزير و لا التاجر و لا أصحاب الصفقات الكبيرة، لأن المكان الذي توجد في عقارب الأسعار لا يتواجد فيه هؤلاء، و إذا جاؤوه ، جاؤوا -و نادرا ما يؤتوه- يرتدون ستراة واقية من اللسع و نظارات حاجبة لصور العقارب.
فصاحب الحانوت الصغير، و صاحب بسطة الخضار، و بائعة "الكسكس"، يعرفون جيدا من يستهلك بضاعتهم التي اضطروا أن يزيدوا سعرها بسبب ارتفاع سعرها في السوق.
و ليس من المناسب ان يدع النظام هذه الحالة تستمر، ليتضرر منها الفقراء بشكل مباشر، و تجعلهم يشعرون بالمعانات و يصابون بشلل في مواطنتهم، و يحسون بأنهم خارج دورة التنمية التي هم محركها و هدفها الأول.
فلتنتبهوا أيها المعنيون، لأمانتكم التي وضع الله في أعناقكم فإنكم مسؤولون عنها بين يدي الله" يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"