لا يهدف هذ المقال إلى سَبر الأحداث التّاريخية وتقصّي الوقائع ونَبْشِ المستور، بِقَدْرِمَا يحاول أن يُعَرِّي النّظرة السلبية لِدُعَاة التّفرقة ، الذين طالما رَكِبوا أمواج التّفاوت الطّبقي وظاهرة العُبودية والإسترقاق ، الذي عاشته مجتمعات كثيرة ولم تَسْلَم منه بَدَاهَةً منظومتنا المجتمعية ...!
إنّنا من خلال هذه المعالجة المتواضعة، لا نستجلي التراكمات التّاريخية ضِمْنَ المنظومة القبيلة ،التى كانت بيئة خصبة وحاضنة أُولَى لِبُرُوزِ ظاهرة التّفاوت الطّبقي ،فى غِيَابِ الدولة منذ الإستقلال كإطار جامع ،تجد فيه كل الفئات والأعراق والألوان ذَوَاتَها بَدَلَ القبيلة.. لَسْنَا بِصَدَدِ تَعَقُّب تلك التَّرَاجِيدْيَا وسَرْدِ مراحلها فى هذا الظّرف الحسّاس من حياتنا...ولكن نؤكد بالمطلق على المزايا الإيجابية للتّنوع والإختلاف ، الذى كان تجسيدًا لِإرادة الخالق عزّ وجلّ، وسُنَّةكونية ودافعًا للتّكامل والتّعاون عبر مسيرة الإعمار ،منذ أن وَطَأَ الآدميون هذه المعمورة.
أَلَمْ نُخْلَق بنفس الإستعدادات الوراثية ؟ أَلاَ نمتلك نفس الذّات البشرية؟ أَلاَ نُشَكّل تماثلا جوهريا وروحيا يسري بين جَوَانِحِنَا؟
إنّ الإختلاف بيننا فى اللّون والعرق والنّسب ؛ هو صَيْرُورَة منطقية لمجموعة من المعطيات والأسباب والظّروف والأحوال البيئية والوراثية ، لا دَخْلَ لنا فيما نحن عليه من ذلك ولا إرادة ، ولكن نسعى بالتّفاعل الفكري الإيجابي إلى خلق فضاءات التّواصل والتّلاقح الثّقافي وزيادة مساحة التّعارف وسَدِّ فجوات التّجافي وتقويض الأفكار الخاطئة...!
إنّنا نَفْتَقِرُ إلى تأصيل ثقافة الحوار والتّعايش ونَبْذِ حالة الصّراع والتّصادم؛ إلى حوار يجعل خِلافنا، خِلاَفَ تَنَوُّعٍ لا خِلاَفَ تَضَّادٍ، إلى حوار بقواعد وآداب ، لاتعصّب فيه لموقف، إلى حوار بضوابط يجعلنا أكثر غِنًى وتكاملًا ويؤسس مبدأ المساواة فى القيمة والكرامة والحقوق، إلى حوار يجعل مقياس التّفاضل بيننا هو حجم التّضحيات للأوطان....
إنّ الحوار ليس بِالْغَرِيبِ علينا ،فقد كانت مشيئة المولى عزّ وجلّ، أن يكون مَنْبَتُنَا الأول فى جَوٍّ من الحوار مع الملائكة الكرام :(إنّي جاعل فى الأرض خليفة- الأية)..فكان الحوار بذلك مُنطلقا أصيلا للوصول إلى المجتمع الإنساني الرّاقي ، إِذْ لا مناط من تَفْعِيلهِ، بَدْءًا من حياة الطّفولة والأسرة وفى مناهج التعليم والمؤسسات العامة والخاصة وفى سُلُوكِ السّاسة والأحزاب والمجتمع المدني...وبذلك وَحْدَهُ تَتَوَسَع دائرة القواسم المشتركة بيننا وتنطفئ جذوة النّزعة الحيوانية البهيمية وتزول مُسَوِّغَات التّصادم والتّنافر.!!!!!
أَلَم يَحِن الوقت بَعْدُ إلى لَمِّ الشّمل وتوحيد الجهود والتّفرق لمعركة البناء والتّشييد ومواجهة الأعداء الحقيقيين المتمثلين فى الفقر والتّخلف والأمراض والأوبئة والكوارث الحقيقية؟ أَلَم يَئِنْ أَوَانُ التّخلي عن إعتبارات اللّون والعرق والفئة حيث أنّ ذلك لايخدم العيش المشترك المحتوم ...إنّنا فى بلد لا يكاد ينسجم حتي نَسْتَفِيقَ من جديد على خطابات الكراهية والعنصرية والتّفرقة بين البيظاني والحرطاني والكَوْرِي ،فى وسائل التّواصل الإجتماعي(فيسبوك-يوتيوب-واسب آب- تويتر....) وهي لعمري بضاعة منتهية الصّلاحية ولم تعد من أدبيات المرحلة ،لأنها بإختصار ؛سَوْءَةُ أخلاق وتَدَنّي فكري وتخلف حضاري ....!
إنّ دولة المواطنة التى تهفو الطّبقة العاقلة والرّشيدة فى هذا البلد إلى تحقيقها ،هي الجامع المشترك الذى يأوي الكل بدون تمييز ولا تفرقة ،تماما كأسنان المشط ،سواسية فى الحقوق والواجبات والمكتسبات وفُرص العمل والولوج إلى الخدمات الصحية والتعليمية والأمن على الأنفس والأموال والأبدان ، لا فضل فى ذلك لأبيض على أسود ،كما تَعَلَمنا من دِينِنَا الحنيف ومن عادتنا العربية والإفريقية ...إنّ وَاشِجَةَ الأُخوّة ورابطة الدِّين أقوى من لغة المحاسبة والتّصفية والإنتقام ،إِذْ أنّ ذلك المَنْحى لا يخدم الاّ دعاة التّفرقة ...زِدُوا أنّنا بحاجة إلى بعضنا البعض والتّحدّيات الراهنة هي التنمية الإجتماعية والإقتصادية والصناعية ...! الأمم من حولنا تُنَاطِحُ بِإِبتكاراتها الفضاء والمجرات وتطالعنا من وقت لآخر ،بإكتشافات تخدم البشرية فى جميع المجالات ،ونحن عَالَة عليها ومازلنا للأسف لم نُشْبِعْ حتى إحتياجاتنا الغذائية والدّوائية ومستلزمات العيش الكريم وللسخرية تسكن بعضنا هواجس اللّون والعرق والفئة....! إنّ الأنانية هي التى تجعلنا نتصادم ،فتتوسع مساحة الخلاف وتتأجج جذوة النّزاعات ..فَتَنْمُو روح الكراهية بين طبقات وفئات المجتمع الواحد...! إنّنا مطالبون بتبنّي سلوك حضاري يستأصل القَبَلِيَة ويُمَجِّد الدولة ويَجْتَثُّ النّظرة الدّونية ويقتلع صراع القوميات وهاجس اللّون؛ لكي ننصهر فى بوتقة موريتانيا الجامعة ،وهو مطلب مُلِحٌّ وممكن التحقق اذا تنازلنا عن الظواهر القبلية والفئوية والشرائحية والجهوية والمحسوبية فى أبعادها السّلبية ..!
متى سَنَحُوزُ رؤية إستراتيجية لإعمار البلد ودفع عجلة التنمية كما حدث ويحدث فى أمريكا وآسيا وبعض دول الجوار الإفريقي؟ كم نحن بحاجة إلى ترتيب جديد ،يأخذ فى صميم الأولويات ؛قيمة الإنسان ،وروح الأخلاق، ونقاء الضّمير
ومنهج العدالة ،وفلسفةالإنصهار وتأصيل ثقافة الحور والتّعايش؟
المهندس:
أحمدو ولد الشيخ ولد أحمدو