لعله صار من نافلة القول لدى كثيرين إن حجم الإنفاق الحكومي في مجالات الإنشاء والبناء كان كبيرا خلال عامين من مأمورية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وذلك يأتي بالمقام الأول استجابة لحاجة تطوير البنية التحتية الأساسية والتي عانت خلال عقود من ضعف وهشاشة شديدين، وكانت البنى التحتية التعليمية في مقدمة تلك القطاعات الهشة ومنخفضة الانتشار، الأمر الذي زاد من معاناتها خلال العشرية، والتي شهدت بيع عديد المؤسسات التعليمية واستغلال أراضيها للقطاع الخاص، قبل أن يعاد الاعتبار للبنية التحتية التعليمية في هاذا العهد.
لكن خلال عامين استطاعت الحكومة بسط سياسة جديدة في قطاعات الإنشاء والإعمار، حيث أنها لأول مرة في تاريخ البلاد وضعت شركات المقاولة وشركات البناء والأشغال على المحك، وهو ما جعلها تختبر طاقتها وقدراتها لتولي مئات ورشات البناء في حزمة محفظات وبرامج ومشاريع بالمئات وضعتها الحكومة أمامها، وهو ما مكن من تطوير القطاع الخاص المختص في المجال، ودفعه لإعطاء أكبر قدر من القدرة والطاقة في استيعاب الطموح والإرادة الحكوميين.
كذلك فإن مئات المشاريع التي وجهت لقطاعات التعليم والصحة والمجالات التنموية المخالفة تم منحها لشركات وطنية بدل التعاقد مع اليد الأجنبية المحترفة لتطوير المهنة ووضع الثقة في اليد العاملة الوطنية، ولحثها أكثر على الاحتراف وتقوية قوامها المؤسسي للوفاء بالمعايير الفنية العالية، واحترامها الآجال المنصوص عليها في دفاتر الشروط والالتزامات، وهو ما أدى إلى قفزة نوعية في مؤشر نمو الاقتصاد الخاص الذي يمتلك حصة الأسد من كتلة أجور الشغيلة الوطنية مما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد الوطني.
إن أمثلة ما نتحدث عنه كثيرة ولا تحتاج الكثير من البحث والتفتيش، إذ أن مبنى الجمعية الوطنية الذي يعد أكبر مبنى تم تشييده في البلد بتمويل ذاتي من ميزانية الدولة وبأياد موريتانية خالصة 100% يعد شاهدا على دقة ما أشرت إليه في السابق، كذلك فإنه نموذج للعمل الفني العمراني المتميز، والذي تم تشييده بكلفة منخفضة جدا مقارنة مع مبان برلمانية في دول الجوار.
جميعا قرأنا الخبر التالي أو استمعنا إليه في الإذاعة أو تابعناه في نشرات الأخبار في قناة الموريتانية أو القنوات الخاصة: "أشرف فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، يوم الثلاثاء 03 دجنبر 2019 في ولاية نواكشوط الغربية على وضع الحجر الأساس للمقر الجديد للجمعية الوطنية وذلك في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى ال 59 لعيد الاستقلال الوطني.
[...] وتبلغ الكلفة المالية لهذا المشروع الذي من المتوقع أن تنتهي الأشغال فيه خلال 24 شهرا 777294480 أوقية جديدة"، أي ما يقارب (8 مليار أوقية قديمة)، انتهى الاستشهاد.
إن صرحا معماريا وطنيا بهذا الحجم تم تشييده بيد وطنية وبكلفة منخفضة مقارنة مع محيطنا الإفريقي، مما يجعله إنجازا كبيرا، يخرس أفواه عديد المبخسين الذين تعودوا على الإكراميات والرشاوي لشراء آراءهم من أجل تثمين المشاريع في السابق، لكن ذلك عهد غادرناه إلى عهد جديد من البناء الحقيقي الذي يمكث في الأرض، وتستفيد منه الأجيال القادمة.
ماذا لو قارناه بغيره من المباني المخصصة للبرلمان في بعض دول الجوار، والتي تماثله في الحجم والشكل، فإن مبنى البرلمان في دولة بنين تكلفته 17 مليار أوقية قديمة، كما أن مبنى البرلمان في الكامرون تكلفته 33 مليار أوقية قديمة، فيما تم بناء مبنى البرلمان في الكونغو الديمقراطية بكلفة 19 مليار أوقية قديمة، ولم يكلف مبنى الجمعية الوطنية في بلادنا سوى ما يقارب ال8 مليار أوقية قديمة.
إن هاذا كفيل باقتناع الجميع أن قطاع الإنشاءات العمومية وخصوصا ما يتعلق بمشاريع وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي حقق الكثير للوطن من ترشيد موارد الدولة وتوفير البنية التحتية على أعلى معايير الجودة وتشغيل اليد العاملة الوطنية وشركاتنا الوطنية، مستغنيا عن الأجنبية وذلك دعما للخطط الاستراتيجية بمجال العمران، ودعما للاقتصاد الوطني.