إن المشكلة التي تتفرع عنها وتتولد منها كل المشكلات التي تهددنا تحاصرنا من كل الجوانب وتكاد تكتم على أنفاسنا وتقضي علينا نهائيا تتجسد في ضعف و أكاد أقول انعدام الوعي بالواقع الذي نعيش والبيئة التي نحيا فيها والمحيط حولنا فلسنا نجهل التعامل مع البيئة والمحيط فقط وإنما نجهل أيضا من نحن ؟ وكيف نحيى؟ و إلى أين نتجه ؟
أولا: لو عرفنا حق المعرفة من نحن لأدركنا أننا مجتمع يتكون من مجموعات بشرية يشكل تنوعها مصدر قوتها وعامل انسجام لها مع المحيط الذي تعيش فيه فمهما اختلفت الأصول فالمجتمع الذي صهرته تجربة الحياة المشتركة والعقيدة الإسلامية الواحدة تكونت عنده وحدة الأمل و الألم والتطلع إلى مستقبل موحد ومصير مشترك فلا يمكن وجود هذا البلد ولا سلامته وأمنه إلا بوحدته وتعاون كل مكوناته واستخدام جميع الطاقات لخدمة هذا الوجود غير القابل للأنفصام وغير القابل للتجزئة، إن فهم هذه الحقيقة تحتم مستوى من الوحدة والانسجام والاستعداد من الجميع لتجسيد تلك الوحدة للمشاركة في الشأن العام وإعطاء كل عناية وجهد لخدمة الجميع والأخذ دون من ولا أذى من أحد بقدر الحاجة لإشباع الحاجات الروحية والمادية مما يمنحه الوطن للجميع من أمن وسعادة والتمتع بمباهج الحياة مما يوفره الاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية وخبرات وغنى البيئة والمحيط.
ثانيا: ولو عرفنا كيف نحيى لعلمنا أننا نحيى خارج الزمن ! حيث العالم كله والمجتمعات الإنسانية المتنوعة في كل مكان تبحث عما يقوي الأواصر ويزيل الفوارق ويمتن الروابط، وكان علينا انسجاما مع الواقع في العالم وحاجاتنا الفعلية أن نعمل لجمع وصهر جميع شعبنا في بوتقة واحدة تضمن العدل والمساواة والإيخاء، فإننا عكس مايجب ويتوقع يأبى الكثيرون منا إلا تعميق التناقض والتباعد بين الإثنيات ومن يسمون قوميات ونرى الكثيرين متمسكين بشدة بالقبلية على حساب الدولة التي تستطيع وحدها توحيد المجتمع وحمايته، ونرى استخدام الفئوية والشرائحية بمختلف الذرائع ومنها ذريعة مطالب الأنعتاق والمساواة وهو الحق الذي أريد به الباطل فالأنعتاق والمساواة أهم المهم وأولى الأولويات لكل من يريد الخير والسلامة والعدل لهذا الوطن لكن استخدامه للمزيد من التشتيت والتفتيت عمل ينافي المصالح العليا للوطن!!!، ونرى الكل يقبل تراتبية من نسج خيال أبناء عقليات الماضي و تجد في واقعنا الحالي من يقبلها ويدعمها أحيانا.. رغم تطور العلم والمعارف وتطور مختلف جوانب الحياة البشرية لانزال بسبب ضعف أو عدم وعينا نرى تناقضاتنا الإثنية وقبليتنا وشرائحيتنا ومفاهيمنا المتخلفة كلها أمورا لاتزال يتمسك بها أما نبذها وتجاوزها فقليل من يفكر فيه!!
ثالثا: أما السؤال عن أين نتجه؟ فهو مربط الفرس، لأننا نتيجة ضعف أو عدم وعينا نتجه بسياساتنا المتبعة وسلوكياتنا المترسخة نحو الهاوية فما لم يزدد الوعي وتتضح الرؤيا ونعمل بما تمليه حاجة الواقع لوحدة حقيقية تنطلق من الأسس الراسخة التي تؤمن بحقيقة الوحدة في كل شيء في العقيدة الدينية والثقافة والآمال والآلام وربط الماضي باالحاضر والمستقبل ووضع سياسة لمساواة حقيقية في القيمة الاجتماعية وفي الفرص والتملك وأمام القانون.
إن أخطر ما نواجهه هو أن الجهل بالواقع وباء أصاب أكثر أهل البلد فلو كان المتعلمون أدركوا خطورة الأمراض التي يعاني المجتمع لكان الأمل كبيرا في توعية من يجهل وتجاوز قصور الرؤية وضعف الوعي لكن الأمر عندنا أغرب من الخيال!! فمجتمعنا يعيش بعقلية جد متخلفة يكاد يستوى فيها المثقف والجاهل والمتعلم والأمي والعاقل والمخبول!! إن ضعف الوعي لدينا أعمق و أوسع مما يتصور فأكثرية أساتذتنا وصحفيينا وعلمائنا والكثير من المهتمين بالأمور العامة لدينا إما موافقون على مافي المجتمع من سلوكيات متخلفة أو صامتون لأسباب لايعلمها سواهم على الأمور التي تستحق التغيير والتقويم فنراهم ساكتون على تنمية البعض للتناقض بين مختلف الإثنيات وساكتون على تمسك البعض بالقبلية ومختلف المسلكيات الشائنة من احتقار للعمل عزوف عنه لدى مكون معروف وقد أضر هذا العمل كثيرا بالوطن والمواطنين ولاترى أحدا من الفئات التي ذكرنا يتناوله وأحرى أن ينتقده أو يشجبه !!
وهذا الذي يسود من احتقار الكثيرين لبعض الفئات الأجتماعية دون أن نرى مقاومة لذلك أو معارضة و هذا التصالح مع الفساد والمفسدين فالعلاقات مع المختلسين الذين أصبحوا سادة وقادة المجتمع بفعل القبول الذي يحظون به على نطاق واسع راسخ كثيرا ظاهرة الأختلاس والتلاعب بالمال العام وإن نقد البعض للفاسدين المختلسين لم يكن ليزعجهم مادام الكثيرون يقبلونهم ويجلونهم ويحترمونهم فالأقوال أكثر أهمية من الأفعال !!
إن قصارى القول أن أخطر ماتعاني منه هذه البلاد أن الرأي العام بسلطته وأحزابه ومجتمعه المثقف لم يستوعبوا الواقع بمختلف جوانبه الأجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية حتى يمكنهم التفكير بما يفيد من علاج للحاضر والمستقبل إن مشكلتنا الأساسية تكمن في عدم لإدراك الكامل للواقع والظروف وللأمراض التي يعاني منها المجتمع وللحاجات الأكثر ضرورة لإصلاح مابه فأصعب ما لدينا وما نعاني منه ومايتوقف على تغييره إصلاح حالنا ومستقبلنا هو وعي الواقع فإذا استطعنا التغلب على هذا العمى العام الذي يشبه ضمة القبر التي لا ينجو منها صالح ولا طالح كما يقولون فكل شيء ممكن إصلاحه وإذا استمرينا بحال الوعي السائد حيث لاناهي ولامنتاهي عن جميع السلوكيات الضارة المتعلمون والأميون الفارق بينهم كمي لانوعي الأكثرية يمارسون العنصرية والقبلية ويتمسكون بالتراتبية ويتساهلون مع الفساد أو ينخرطون فيه، ونستثنى فئة قليلة ترى الأمور بوضوح أكثر من الآخرين لكنها لقلتها لم يكن لها تأثير يذكر.
قد لا يوافقني البعض بسبب كثرة المثقفين والكتاب والشعراء والأدباء و العلماء بسبب أن كل هذا الجمع العظيم لا يمكن أن يتهم بعدم الوعي ونقول لهم جميعا عدم الوعي يختلف عن الجهل إنه عدم إدراك عناصر الواقع والعلاقات بين الأشياء والظواهر وحركة الواقع وديناميكية الأحداث فلو اتسم المتعلمون لدينا بالوعي لتوفقنا واستطعنا علاج مابنا وإزالة الظواهر والسلبيات التي تحاصرنا من كل الجوانب، و تسببت في ضياعنا وإمكانية دخولنا لمأزق وأشكال من التدهور لايمكن تقدير حجم ومدى ما يمكن أن يبلغه بنا الضرر وسوء الحال الذي يمكن أن تصل إليه أمورنا إذا استمر جهلنا بواقعنا وتصرفنا وسلوكنا المترتب على الجهل وعدم الوعي بحقائق الواقع!!