ينعقد المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم في دورته الثانية بأنواكشوط، بحضور فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، و العلامة الرائد عبد الله ولد بي و ممثلين من مختلف البلدان الإفريقية، بالإضافة إلى نخب شبابية و أكادمية متعددة المشارب.
و ما لفت إنتباهي هو عنوان المؤتمر الذي جاء في هذه الظرفية و بعد عنوان مؤتمره الأول يناير2020( التسامح و الإعتدال ضد التطرف و الإقتتال)، يأتي عنوان هذا المؤتمر الثاني في ظرفية تئن فيها القارة الإفريقة تحت وطأة كورنا ، و رغم الأوضاع المعيشية و رغم ازمة كورنا يختار نخب و قادة افريقيا عنوانا أكثر تسامحا و اعتدالا من سابقه "بذل السلام للعالم" بذل السلام للعالم، رغم ضيق اليد.
إفريقيا التي يراد لها أن تكون بؤرة للحروب و الفتن، ترفض ذلك بقوة و تعبر عن حنوها للسلام بل و تبذله للعالم كله.
إفريقيا التي يستقطب أبناؤها ليكون في ميمنة الحروب بوسائل إغراء متعددة، تريد أن تكون في ميمنة السلام.
لا شك أن للعلامة عبد الله ولد بي مؤسس المؤتمربصمته القوية في تلك العناوين التي تنضح سلاما و اعتدالا و تسامحا، فالرجل ما يزال ينادي بالسلام، رغم كل المنقصات، يجوب الأرض من شرقها إلى غربها و لسان حاله يقول : قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍۢ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِۦ شَيْـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
إن ثقافة السلم هي أسس إسلامنا الذي ندين به، تتلاقى معه في الاسم و المعنى و المبتغى، فالإسلام جاء برسالة سلام للجميع، مكث رواده الأوائل 13 سنة وهم تحت وطأة التعذيب و التهجير و التنكيل، و هم يواجهون ذلك بقلوبهم المؤمنة و أياديهم المسالمة و منهجهم المعتدل.
لقد ارتبط إسم العلامة عبد الله بن بي بالسلام، و بالاعتدال، و بالتسامح، و لا شك أن من ينتهج ذلك المنهج سيواجه الكثير من التحديات و الضغوط التي تتهمه حتى في دينه، و تجعل مسالمته استسلاما للهوان، و لكن "طريق السلامة طويل" كما يقول المثل.
لقد كان عنوان المؤتمر معبا إلى حد كبير، و كان حضور رئيس الجمهورية لانطلاقة المؤتمر رسالة نبل و وفاء، تعبر عن مخزون المسالمة و السلم الذي يحمل الرجل في ضميره، و كان خطابه يشع سلما و تسامحا و يلامس جواهر الإشكالات العميقة و التحديات الكبيرة، و الأسئلة الملحة التي ينتظر البلدان الإفريقية معالجتها و رسم الحلول الوافية لها.
إن رسالة السلام هي رسالة مقدسة، تسكن العمق العقائدي لديننا الحنيف، فقد شهد النبي صلى الله عليه و سلم حلف الفضول في الجاهلية الذي يدعوا للسلام و الانتصار للمظلوم، و اشاد به و اخبر انه لو دعي لمثله في الإسلام لأجاب,
و القرآن يأخذ بأيدينا إلى السلم حتى في أوقات الحرب و مع أعدى الأعداء يقول الله تعالى :
و إِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
و سيبقى دعاة السلم يمنحون الإنسانية كرامتها المسلوبة و يعيدون للبشرية هدوءها الجميل، و ينشرون الخير في القلوب و الرشاد في العقول، رغم كل مجادل و معارض، و حتى و لو كلفهم ذلك الكثير من العناء المادي و النفسي الذي يواجهون به من قبل إخوة لهم يستعجلون نضج الثمار، و يتعجلون في فهم المقاصد الكبرى التي جاء من أجلها الإسلام و أرسل من أجلها الرسل.